لم يكن مستغرباً كثيراً بالنسبة لي، الانقلاب التويتري الذي ظهر عليه الدكتور التونسي محمد الهاشمي الحامدي، في هجومه على المملكة العربية السعودية، من خلال تغريداته التي أسماها بالنصيحة، فقد تنبأت بذلك على إثر حديث دار بيني وبين القدير الأديب محمد زايد الألمعي قبل عشرة أعوام تقريباً، حين فتحنا حواراً عن أسباب فتح الرجل لمواضيع هشة لكثير من برامجه الفارغة المليئة بالحشو الممجوج عن قناته، كعادة برامجه الغثيثة أصلاً، التي غالباً ما تأتي في صيغ تشبه الاستجداء والتمسح، اعتاد الهاشمي من خلالها اللعب على وتر الإسلاموية تارة، والعروبية ومشاريع الديمقراطية تارة، والخطابات الأيديولوجية تارة أخرى، حتى بتنا لم نعد نفهم ما الذي يريده الرجل تماماً!
لكنني يومها فهمت شخصية الهاشمي أكثر مما فهمت قضاياه الوهمية، وعرفت أنني أمام رجل يحاول كسب أطراف بعينها على حساب قضايا فكرية وثقافية عميقة، بأية وسيلة وبأية أثمان، وإن كان على حساب الوعي والمهنية، ووضح أكثر بخل الرجل وتقشفه على الرغم من الدولارات التي تتدفق من حوله...
أراد الرجل على الدوام اللعب على الوتر الديني، وتقديم نفسه كنموذج لصورة المتدين الجديد حارس البوابة العصري بالبدلة وربطة العنق والرأس المكشوف، ومحاولاته اللعب على الحبال الفكرية المختلفة لتأصيل فكر ديني منفتح، يدّعي من خلاله الوسطية بلباس علماني ليبرالي ضيق يكاد أن يختنق فيه، ولغة راديكالية في ثنايا خطاب قديم مكرور، كان يعجز عبره عن مقاومة ميله إلى الإسلامويين المحسوب عليهم بالدرجة الأولى، وملاطفته لهم حد إطلاق النكات على الآخر..
إلا أن هذه الانتهازية لم تسعفه كثيراً في الوقت الراهن، خاصة مع تحول العالم الرقمي السريع وطريقة تقديم العالم لنفسه، والانفتاح القوي للعالم على بعضه البعض، والتحولات السياسية في الشارع العربي، وارتفاع أعداد المعدلات العمرية الشابة للمواطن العربي، بصورة تعدت رهانات القناة عتيقة التجهيز والخطاب واللغة الخطابية، وشعر أن الأمر قد أفلت من بين يديه، وأن عليه تغيير سياساته وتغيير الخطة تبعاً لذلك، لكنه ربما وجد الباب قد أوصد، لم يستطع معه الاستمرار في لعب دور المتدين الوسطي المتحضر، وظهرت نواجذه التي طالما عض بها على مصالحه خلف ابتسامات صفراء، فقد انكشف للجميع أن منبره أصبح متأخراً وقديماً يعلوه الصدأ.
جمع الرجل صوراً كثيرة للقطات الممثلات من قنوات الـMBC والعربية عرباً وعجماً، ولم يكلف الرجل نفسه غض البصر والحملقة في تلك الصور والشاشات، التي شن جام غضبه على المملكة من خلالها بحجة واهية، أقل ما نستطيع تسميتها بالمتخلفة، وترك بالمقابل اللقطات والتقارير والبرامج الأخرى. لكن المثير والمدهش أنه ربط القنوات الخاصة ومصالحها بالحرمين الشريفين، واشتغل كثيراً في تغريداته عبر حسابه في تويتر على هذا الجانب، ونسبها إلى المملكة العربية السعودية بحكم جنسية مالكيها وتعاقدها مع بعض المؤسسات السعودية تجارياً، وسؤالي ماذا لو كانت تلك القنوات لملاك من جنسية أخرى؟
ثم ألا يرى الفضاء الكبير الذي يعج بالقنوات المتنوعة؟! لماذا يحاول الربط بين الدين والسياسة والمصالح التجارية؟ ما لم تكن دوافعه مشبوهة بقدر إطلاقه لها.
أمر آخر يدركه الهاشمي جيداً لكنه غض البصر والسمع والفؤاد عنه، وهو أن تلك القنوات لا تبث من داخل الأراضي السعودية، وبالتالي لا سلطة قانونية لها عليها.
الهاشمي متنكر ومتلون، وهذه ليست من شيم الكبار على أية حال، لكنه قرر حجم ونوع صورته بهذه التغريدات المريضة.