قديما تعلمنا أن "معرفة الرجال كنوز"؛ وآخر من وجدتهم كذلك حتى الآن، فخامة المشير عبدالرحمن سوار الذهب؛ رئيس جمهورية السودان السابق، لقيته عدة مرات، وكان آخرها في جاكرتا قبل عدة أيام.. أجداد الرئيس الذهب، لمن أحب أن يعرف، رحلوا من (مكة المكرمة)، إلى (الأندلس)، ثم (مصر)، واستقروا بعض الوقت في (أسوان)، ثم حطت رحالهم في (دنقلا) بشمال السودان، ونسبه ينتهي إلى آل بيت سيدنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من جهة عمه سيدنا العباس ـ رضي الله عنه ـ، وجده الشيخ محمد عيسى كرس حياته لنشر القرآن، وتعاليمه، وأسرته هذا شغلها، وفي يقيني أن هذا كله قد أثر في شخصيته بشكل ملحوظ؛ فجعله متوجا بقيم أخلاقية قل نظيرها، لا سيما التواضع الذي يلحظه فيه كل من يعرفه..

الرئيس الذهب كتب اسمه من نور، وسط زعماء العرب، والعالم كله، فالبعض يظنه رجلا غير عادي؛ إذ كيف بضابط، في منصب وزير الدفاع، وقائد عام للجيش يتقلد أعلى هرم في السلطة، قائلا: "إن قوات الشعب المسلحة وبعد أن ظلت تراقب الموقف الأمني المتردي، في أنحاء الوطن وما وصل إليه من أزمة سياسية بالغة التعقيد، قررت بالإجماع أن تقف إلى جانب الشعب واختياره، وأن تستجيب إلى رغبته بالاستيلاء على السلطة، ونقلها إليه عبر فترة انتقالية محددة"، ثم يزهد في السلطة، بعد عام فقط من جلوسه على كرسي الحكم، وذلك من أجل أن تبقى بلاده مدنية، وليس هذا فقط، بل يعود إلى أن يكون واحدا من الناس، والأعجب أنه يقول عن هذا التصرف البطولي النادر: "أنا لا أشعر بأني قمت بعمل خارق للعادة".

منذ تسليمه السلطة، وهو متفرغ للعمل التطوعي الإسلامي، وخدمة المسلمين، مسخرا لذلك مكانته وأفكاره؛ يسهم مساهمات فاعلة في الدعوة بالحسنى، وقد حقَّق بالفعل إنجازات باهرة من خلال رئاسته لمجلس أمناء منظمة الدعوة الإسلامية، التي شيَّدت الكثير من المدارس والمستشفيات ومراكز الطفولة وملاجئ الأيتام، وأنشأت محطات المياه، وحفرت الآبار، وهو عضو مؤسس في العديد من المنظمات والجمعيات الخيرية والاجتماعية، وقام بجهود كبيرة في مجال الإغاثة في فلسطين والصومال والشيشان وأذربيجان، وفي حل نزاعات بعض الدول والجماعات، وشارك بفكره وخبرته في كثير من المؤتمرات المهتمَّة بالعمل التطوعي والدعوة، وحاليا هو من أكثر أعضاء (مجلس حكماء المسلمين) فعالية ونشاطا.

أعجبتني عبارة قرأتها في حيثيات منح الرئيس الذهب جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام ـ عام 1424 ـ تعطي ملمحا عاما جميلا عنه هي: "تحلِّيه بالصّدق والوفَاء بالوعد"، وهذه حقيقة هي بعض صفاته الجميلة التي أورثته حكمة نادرة، خلدت مقولته الجميلة: "من لا يملك قوته لا يملك قراره".. المشير الذهبي يعيش ـ ولله الحمد ـ عامه الثاني والثمانين في انضباطية رائعة، ولا أشك إلا أن سلامه مع نفسه، ومع من حوله أورثه ذلك، اللهم أدم عليه نعمك، وكثر في شعوب العالم من أمثاله.