في مقال سابق، ناقشت موضوع السرقات العلمية، وباختصار من ناحية مفهومها، وبعض أنواعها، والإجراءات التي يجب توظيفها للحد منها قبل أن تصل إلى مرحلة لا يمكن التحكم فيها، والسيطرة عليها.
في هذا المقال، سيتم عرض بعض صور السرقات العلمية التي يقع فيها كثير ممن يسطون على أعمال، وإنجازات، وأفكار الآخرين، ولا يتم إعادة الفضل إلى أهله في حالة الرجوع إلى هذه الأعمال، والاستفادة منها، وهي أمثلة واقعية على السرقات العلمية في مؤسسات التعليم العالي على وجه الخصوص، ويقع بعض طلاب المرحلة الجامعية، وبعض الباحثين في شراك السرقة العلمية، عندما يتم إنجاز بحوث أو دراسات، ولا يوثقون ما يتم استخدامه، أو أخذه من إنجازات الآخرين، وهم بذلك يقومون بعملية سطو على أفكار وأعمال الآخرين، ومع ذلك فلا يُعذر من سلك هذا الطريق أدرك، أو لم يدرك ما قام به من تصرف؛ لأن البحث العلمي له أسس، ومنهجيات، ومبادئ، ومهارات، وأخلاقيات يجب إدراكها والتمكن منها قبل البدء في أي مشروع بحثي، والالتزام بها خلال التنفيذ لأي دراسة، أو كتابة، أو تأليف علمي.
ربما يكون من المناسب أن نعرض بعض الصور التي مهما اختلفت أو تنوعت فهي في النهاية تصب في حياض السرقات العلمية، ومن هذه الصور أن يعمد الباحث إلى نقل أجزاء كبيرة من كتاب، أو مؤلف، أو بحث سابق منشور دون أن يذكر المصدر الأساسي، أو يوثقه، وربما يكون بعض الأفراد أكثر جرأة، فيأخذ البحث كاملا، ويعيد صياغة بعض العناوين الفرعية، أو يحذف بعض الأجزاء وينشره باسمه.
الصورة الأخرى، يقوم بعض الباحثين غير المتمكنين من مهارات البحث العلمي وأخلاقياته، بترجمة بعض البحوث من لغات أخرى إلى اللغة العربية، وينسبه إلى نفسه دون توثيق، أو حتى إثبات المصدر في قائمة المراجع، وربما يعمد بعض الباحثين إلى توظيف أدوات بحثية لباحث سابق دون أن يحصل على موافقة صاحبها، ولا يوثق ذلك في بحثه، ولا يشير إلى مصدر هذه الأدوات، والأمثلة متعددة في هذا المجال، فقد تكون سرقة محتوى، أو أداوت، أو أفكار، أو ابتكارات، والقائمة تطول.
المثال الآخر على السرقة العلمية، يتمثل في سرقة أحد أعضاء هيئة التدريس فكرة بحث يعمل عليه زميل آخر، عندما يطلب الباحث من زميله تحكيم أدوات بحثه، أو يستشيره في بعض الجوانب البحثية في هذا البحث، وبعد فترة يجد صاحب البحث الأول الذي يعمل عليه منشورا باسم زميله الذي شارك في التحكيم، أو الاستشارة، وما يتم هو عمل بعض التعديلات اليسيرة، فهذه سرقة للأدوات، والأفكار، أما طلاب المرحلة الجامعية فنجد أن كثيرا منهم يتبرع بتقديم نسخة طبق الأصل من بحوثهم إلى زملاء آخرين، ويتم تقديمها إلى مدرس المقرر، ويتوقعون أنه لن يطلع عليها، أو يقيمها، وهذا توقع غير صحيح، وهذا يتطلب من مدرس المقرر أن يوضح لطلابه أهمية الأمانة العلمية، ومنهجية كتابة البحوث قبل تكليفهم ببعض البحوث، ومتابعة مشروعاتهم البحثية وفق مخطط زمني محدد يحوي مراحل مختلفة، وتقديم بعض المقترحات للباحث بعد كل مرحلة، ومطالبة الطلاب بتوظيف مراجع ومصادر مختلفة من مجلات، وكتب، ودوريات سواء ورقية، أو الإلكترونية، ومن يُقدم على مخالفة المنهج الصحيح في كتابة الأبحاث، ويسطو على أعمال الآخرين تتم إحالته للجهات المعنية بالجامعة لاتخاذ الإجراءات النظامية ومعاقبته.
وهناك حاجة ملحة إلى إيجاد تنظيم معين لمكاتب خدمات الطلاب المنتشرة بشكل كبير حول الجامعات، وهذه المكاتب هي مصدر رئيس للأبحاث المسروقة، ولا يهتم العاملون فيها بأخلاقيات البحث العلمي، أو سلامة التوثيق العلمي في الأبحاث، وإعادة الفضل إلى أصحابه، ولا يهمهم الإنجاز أو نوعية البحث المنجز، بل الهم الأول هو الحصول على المبلغ المتفق عليه مقابل إجراء هذه الدراسة، أو البحث؛ فإذا كانت هناك صعوبة في التحكم في مثل هذه المكاتب التي تجري أبحاثا مضروبة، ومسروقة بأسماء باحثين لم يقوموا بأبجديات البحث العلمي الرصين، أو نيابة عن الطلاب الذين يُطلب منهم تقديم أبحاثا كمتطلبات لبعض المقررات، فقد يكون من المناسب إغلاقها تماما، وعدم السماح لها بمزاولة نشاطاتها التي تسوق للسرقات العلمية في المجالات الأكاديمية.