أحمد الأعجم


منذ عام 1400 بدأت ثقافة أشرطة الكاسيت الدعوية الصحوية بلغتها الإقصائية ضد كل مسلم مقصر أو حتى مختلف في فهمه للدين حتى وصل الأمر إلى تكفير المجتمع والدولة، ومن ذلك تغريدة (أحد المشايخ المشهورين) على منصة تويتر قبل أسبوعين، والتي يدعو فيها على أحد كتاب الرأي في صحفنا المحلية وهو مسلم من أهل القبلة بأن يثقل الله موازينه ببعض أعماله التي هناك خلاف حولها، أكثر من ثلث قرن بين المرحلتين، لكن يبدو أننا ما زلنا في المربع الأول، ما زلنا بنفس اللغة الإقصائية ضد المسلم المقصر والمخالف في الفكر، لقد تغيرت فقط الأسماء وبقي الفكر وتغيرت الأساليب وبقيت المفاهيم، هذا كله رغم كل نقاط التحول التي مر بها الوطن والمواطن معا منذ حرب تحرير الكويت عام 1990، ثم ظهور القاعدة وتفجيراتها في العليا بالرياض عام 1996 وما تبعها من تفجيرات في بعض مناطق المملكة، ثم أحداث سبتمبر 2001، وأخيرا ظهور داعش، وهذه الأحداث كلها المتهم بها هو الإسلام حتى وهو بريء منها، لكن كل نقاط التحول هذه يبدو أنها لم تغير كثيرا، وأن كل التغييرات التي حدثت مجرد أغلفة خارجية أو خطابات تمويهية، لكن الفكر الإقصائي لا يزال موجودا، ويبدو أنه لن ينتهي فضلا عن أن يموت، لأنه لم يعد يرتبط بالمناهج الظاهرة، بل بالمناهج الخفية، فما زال للفكر الإقصائي الذي هو أساس الإرهاب، مازال له كتبه ورموزه ومجالسه العلمية، ولكن في الخفاء، لكن الأحداث تكشفه وتكشفهم، فيظهر في كتابات وتغريدات أصحابه تجاه مصائب المسلمين، كما حدث حينما دَعا بعض من يسمون مشايخ ودعاة على أهل دبي يوم حريق الفندق، وكما قال الشيخ الشهير في تغريدته تجاه متوفى مسلم ومن أهل القبلة، والمصيبة الأكبر أن تجد الآلاف من المؤيدين لهذا الطرح الإقصائي، والمدافعين عمن يردده، مما يعني أن كثيرا ممن يعيشون معنا ويشاركوننا الحياة في المساجد والعمل والتسوق وحضور المناسبات والمطاعم والتنزه يحملون هذا الفكر الإقصائي البغيض، بل وما زالوا يمارسون الإقصاء حتى اليوم، ولكن في الخفاء، لأن الدولة رفضت كثيرا من أفكارهم، وأوقفتها بعد أن اكتشفت آثارها السلبية على الوحدة الوطنية، وهو ما يؤكد أن هؤلاء الإقصائيين لو أتيحت لهم الفرصة لأطلقوا أيديهم ضد من يخالفهم ليس فقط بالإقصاء بل بأكثر من ذلك، حتى وإن كان من المصلين الصائمين، لكن رحمة الله ـ تعالى ـ ثم حكمة الدولة وقوتها وجهودها في محاربة الفكر الإقصائي الإرهابي فوتت عليهم الفرصة. إن المصيبة الكبرى والخطر العظيم على الإسلام هو بعض من حملوا ألقاب شيوخ ودعاة إسلاميين، وهم أبعد ما يكونون عن تمثيل الصورة الحقيقية للإسلام، والتي تتمثل أفضل وأصدق تمثيل في فكر وسلوك المسلم البسيط الذي لا يعرف التحزب ولا التصنيف ولا الإقصاء ولا تزكية نفسه، إن صورة الإسلام الحقيقية تتمثل في المسلمين البسطاء، وليس في دعاة الأهواء.