اللحظات التي تمر عبر الأزمنة هي التي تُشكل الرؤية والفكر، وتلك اللحظات تُعبر عن مكنونات من يعيشها وما يحتويه فكره وما تتكون منه فلسفته ورؤيته لما حوله وكيف يتعامل معها، والانطباعات الفكرية التي تترسخ في واقع تلك الرؤية والفلسفة تُظهر لمن يرى تلك اللحظات وما يقع فيها من أحداث ووقائع أن هناك مجرى للحياة يقوم ذاك الفكر وتلك الرؤية التي خلقت تلك اللحظات بتصرفاتها بتحقيقها، وتفسير تلك اللحظات في آنية حركات وهمسات المشاهد لها قد تغيب عنه وتختبئ عبر سيرة التواريخ والأزمنة، بيد أن إيضاح تلك الوقائع بحاجة للربط والجمع والاستنتاج والرجوع للوراء لربط تلك اللحظات بما عبرته من أزمنة للوقوف على حقيقية المقصد والمعنى المراد من تلك التصرفات، فما يقوم به الفكر الإرهابي التكفيري من (قتل وتدمير وتفجير لكل شيء، ولأي شيء، ومن أي شيء، وبلا أي شيء) إنها فلسفة الفاندلزم أي فلسفة التخريب لكل شيء، فهو تخريب للمجتمعات بكل أصولها ونزعاتها وأديانها وثقافاتها، تخريب للعلاقات بين الأفراد والمجتمعات والدول، بل إنه في حقيقته تخريب للعالم أجمع بلا معنى مراد، ودونما مقصد له حقيقة إنسانية، ومتجرد من أية أغراض دينية، فإن أصل كلمة فاندلزم يرجع إلى (القرن الخامس الميلادي، حيث اجتاحت أوروبا قادمة من الشمال الإسكندنافي قبائل بدائية همجية أُطلق عليها قبائل الفاندال نسبة إلى مدينة (فاندل) السويدية أو إلى مدينة (فاندسيسل) الدنمركية، فاستباحت كل شيء وأخذت تقتل وتحرق وتسرق وتدمر الآثار الحضارية والثقافية للإمبراطورية الرومانية، وأخذوا ينشرون في طريقهم الرعب والخراب، حتى عبروا جبال البيرنيه متجهين جنوبا إلى شبه الجزيرة الأيبيرية فقاتلوا سكانها الأصليين وقتلوا ملكهم وأسسوا بها مملكة سُميت (فاندالسيا) أي بلاد الفاندال، وترجع هذه اللفظة المنسوبة إلى السكان الأصليين للشعوب الإسكندنافية، ما زالت تشير في اللغات الأوروبية الحديثة إلى الهمجية أو التخريب بلا مبرر، فهي بالإنجليزية Vandalis، وهذه الروح التخريبية هي الروح الحقيقية للجماعات الجهادية التكفيرية المتطرفة، ولا شك أن تاريخ الإرهاب الحديث المعاصر يوضح بجلاء أن التخريب قد مارسته الجماعات المتطرفة، فقد تم نشر اعترافات تنشر لأول مرة منقولة عن الشيخ محفوظ نحناح، جاء فيها أن تورط تيار الإخوان المسلمين في الجزائر والذي كان في بداية عهده، في قضية تخريب أعمدة الهاتف خلال فترة حكم الرئيس هواري بومدين، جاءت في إطار "فلسفة المعارضة" وهي مجرد تعبير استنكاري لأحداث 19 يونيو 1965، وكان هذا الاعتراف قد تم بثه في القناة الأولى الجزائرية في حوار مع الشيخ محفوظ نحناح، وليس بخفي أن الجماعات المسلحة في مصر منذ السبعينيات والثمانينيات، قد قامت بأعمال تخريب وتدمير ثم أتت القاعدة فأخذت زمام الفكر التخريبي وعمقت تلك الفلسفة في عقول صغارنا من خلال الجهاد الأفغاني، ومن ثمَ أتت الجماعات المسلحة في الشيشان والبوسنة والهرسك ثم العراق، حتى خلصنا إلى الجنون اللا إنساني لدى جماعة التخريب، التي تتخذ فلسفة التخريب والتدمير نبراساً لها في حياتها، وتجعل من تدمير الأقربين طريقاً إلى جنات عدن، والوصول للنعيم كما زعموا في ظنونهم.
إن الحقيقة التي يجب أن نضعها أمام كل أحد في الإعلام المرئي والمسموع وشبكات التواصل الاجتماعي، أن ما تقوم به هذه الجماعات الجهادية التكفيرية المسلحة ما هو إلا امتداد لفكر الهمجية الأولى لشعب الفاندال، لذا فإن ربط لحظات التخريب عبر التاريخ بهذه الفئات التكفيرية هو الوصف الحقيقي لها، وعلى ضوئه يتوجب أن يتم التعامل معها، وذلك حتى نحمي أوطاننا وأبناءنا وممتلكاتنا ومكتسباتنا من فلسفة الفاندلزم.