أكثر من تساؤل، وأيضاً أكثر من إجابة على تساؤلات كثيرة، يطرحها تصريح علي ولاياتي مستشار الرئيس الإيراني مؤخراً بأن هناك تعاوناً بين إيران وروسيا في كل من العراق وسورية واليمن مستقبلاً، ما يدعونا للتساؤل عن موقف بعض من قد يتصورون أن ما كان يدور على الساحة اليمنية شأن داخلي، قبل تدخل المملكة لحسمه وحزمه والوجود في قلب المشهد اليمني بصفتها لاعباً أسياسياً، بل بصفتها الطرف الرئيس الذي تسلم ملف الشرعية في اليمن استجابة لطلب رسمي، وأيضاً تلبية لرغبة شعبية في ظل التمدد السافر لميليشيات الحوثي الذراع الإيرانية في اليمن، وميليشيات المخلوع علي عبدالله صالح الذي سلم مستقبل اليمن لمن يدفع أكثر، بعدما أمضى أكثر من ثلاثين عاماً يمتص خيرات اليمن ومدخراتها وحتى المساعدات التي كانت تقدم إليها إلى حساباته حول العالم وحسابات شرذمة من مراكز القوى المستفيدة من نظام حكمه المستبد الذي وضع اليمن في صدارة قوائم أفقر الدول وأكثرها جهلاً وتردياً صحياً وتعليمياً واجتماعياً حول العالم، في واحد من أكثر مشاهد السياسة انحطاطاً.

 فهل ما يحدث على الساحة اليمنية في ظل هذه التصريحات شأن داخلي بالنسبة للسعودية، الجارة التاريخية لليمن التي تمتلك بينهما هذا الشريط الحدودي الهائل وتحتضن الملايين من أبنائها، بالإضافة إلى ملايين الروابط الإنسانية والاجتماعية، وليس شأناً داخلياً بالنسبة لإيران وروسيا اللتين يفترض بهذه المقاييس أنهما لا ناقة لهما ولا جمل في اليمن؟

سؤال آخر يطرح نفسه: هل من المنطق أن تكون اليمن بهذه الأهمية لإيران وروسيا ولا ترى المملكة أنها تمثل لها أي أهمية؟ هذا السؤال الأخير طرحه بالطبع لمن يقيسون أهمية الأمور بحسب ما يراه الآخر، وليس بحسب ما نراه نحن، فيتهمون بلادهم دائماً بأنها تكتشف الحقائق متأخرة بعدما يكون الآخرون قد سبقونا إليها، ولهؤلاء أقول: ما موقفكم اليوم وبلادكم تتخذ الخطوة الأولى وتضرب ضربتها الاستباقية الكبرى، وتضع قدمها في المشهد اليمني قبل الجميع، وتكون صاحبة الكلمة العليا في بلد يشرف على واحد من أهم الممرات البحرية حول العالم، لحمايته من سيطرة الآخرين في ظل سيناريوهات الهيمنة المسبقة على اليمن من قبل دولة الملالي لتضييق الخناق على العالم كله بهيمنتها على أخطر مسطحين مائيين حول العالم، مضيق هرمز، وخليج عدن، وكأن بلدنا والبلدان العربية الشقيقة لا وجود لها في المنطقة، فهل يعقل هذا؟ وهل هذه سياسة؟

 إن بعضهم من السطحية بمكان يجعله متصوراً أن المملكة عليها التزام حدودها والتقوقع على نفسها والرد على أي خطر يقترب من حدودها وحسب، وهذه نظرة قاصرة، وهذا موقف ضعيف، فضلاً عن أن السيناريو العسكري الأمثل أن المعركة إن كانت آتية إليك لا محالة فمن الأفضل أن تخوضها بعيداً عن ساحتك وتحسمها مبكراً، وليس سيناريو محاولات التسلل الحوثية عبر حدودنا قبل سنوات ببعيد، فلقد رأينا كم الاستهداف لبلادنا من أتباع طهران على اعتقاد الدخول فاتحين إلى مكة المكرمة، ما يعني أن المعركة آتية آتية، فهل كان علينا أن ننتظر حتى تأتيناً لنخوضها على أرضنا؟ لذا كان من باب أولى خوضها مبكراً ووقاية ساحتنا منها، وتطهير اليمن الشقيق من هذه الحثالات مبكراً، والقيام بدورنا بوصفنا الجار الأكبر لليمن في إجارته إذا استجار بنا، هكذا تدار الدول، وتجرى شؤون السياسة، وفق علومها ونظرياتها، وليس وفق علوم الجدات.

إن الحقيقة الماثلة للعيان، والتي لا يجهلها إلا صاحب هوى، أنه كان يراد لبلادنا مصير العراق وسورية وليبيا، لولا هذا التدخل الذي جاء في الوقت الحاسم، نعم التضحيات كبيرة، لكن كانت ستكون أكبر لو ترك اليمن مرتعاً لعصابات إيران وأذنابها على مرمى حجر من حدودنا.

ولعلي أذهب إلى أبعد من ذلك حين أتحدث عن دور أبعد يتوجب على بلادنا اليوم وهي تقود الجانب العربي والإسلامي في المنطقة، على بقية مناطق الصراع الوجودي الذي فرضته دولة الملالي على الجميع على الساحات العراقية والسورية والخليجية، ومواجهة الهجوم بالهجوم وليس انتظار الخطر حتى نجده فوق رؤوسنا، لذا أرى أن ثَمَّ قضية جديدة بالغة الأهمية على المملكة أن تلتفت إليها داخل الأراضي الإيرانية بدعم إخوتنا في الأحواز، الذين يلقون العنت من النظام الإيراني العنصري، الأمر الذي من شأنه دعمهم في معركتهم العادلة من نظام يبطش بهم ويجردهم من جميع حقوقهم ويستقوي عليهم ويضطهدهم فقط لأنهم سنة، ما يجعل دعمهم من قبلنا ونصرتهم واجباً دينياً وأخلاقياً، في ظل مطالبة إخوتنا هناك جميع دول العالم بدعمهم لنيل استقلالهم عن هذا الحكم الجائر، وفي الوقت نفسه من شأن هذا أن يشغل إيران بنفسها، ويجعلنا نتسلم زمام المبادرة لوضع دولة الملالي في حجمها الطبيعي، بدلاً من حالة الفرعنة التي تعيشها في المنطقة، واستقوائها غير المبرر، وقطع الطريق على حلم الإمبراطورية الفارسية المريض وغير المبرر، والذي إن كان يجد ما يبرره بالأمس في ظل حالة ارتخاء عربية عامة، فاليوم لا مبرر له في ظل هذه الصحوة التي تشهدها المنطقة العربية بقيادة بلادنا.

أيضاً ملف الجزر الإماراتية المنتزعة من قبل إيران آن الأوان لانتزاعها بالقوة من يد دولة الملالي، حتى تدرك أنه لم يعد في وسعها الانفراد بأي دولة شقيقة وابتلاع جزء منها، أو ابتلاعها كلها، وأنها تقف اليوم في مواجهة جميع الدول العربية مجتمعة، وهو ما لا طاقة لإيران ولا لغيرها به في ظل إرادة عربية وإسلامية مشتركة، لحسم جميع الملفات العالقة مع دولة الملالي وحصارها لكف أذاها عن منطقتنا، وتجربة العقود الماضية منذ الحرب العراقية مع إيران خلاصتها أنك إن لم تذهب إلى إيران فستأتي إليك، وأن الذهاب إليها خير من انتظارها.