أوضح تقرير على موقع بلومبرج للأعمال أن سوق الاستشارات في المملكة العربية السعودية هو الأسرع نموا بالعالم، حيث نما 60% خلال السنوات الخمس الماضية.
نستقطب ونجذب مستشارين يتميزون فقط بـ"بإتقان اللغة الإنجليزية وصياغة التقارير" ويتسابقون لتقديم الاستشارات للمملكة ممثلين لأكبر شركتين استشاريتين وهما ماكنزي ومجموعة بوسطن كونسلتنج. استشارات وصلت فواتيرها 3 مليارات ريال عام 2012، ثم ارتفعت إلى 3.2 مليارات ريال عام 2013، وواصلت الصعود إلى 4 مليارات ريال عام 2014 قبل أن تصل فاتورة 2015 إلى 4.3 مليارات ريال، وها هي "تلعلع" قرابة الـ5 مليارات ريال هذا العام 2016.
فاتورة استشارات الخواجات وصلت إلى قرابة الـ20 مليار ريال في 5 سنوات أي بمعدل 333 مليون ريال شهريا ولمدة 60 شهرا، وهؤلاء المستشارون يجيدون تقديم الاستشارات التي لا تثمر ولكنها تسوّق لديمومتها، أي أن الجماعة ربما يتملكون مساكن هنا بالمملكة لإقامة دائمة.
ولمعرفة معنى حجم فاتورة الاستشارات الشهرية التي تصل إلى 333 مليون ريال طالما أنها لازمت الديمومة، نستطيع (بحجم تكلفتها) إنشاء مركز استشارات وطني يعمل به 4500 مستشار سعودي بمعدل راتب 75 ألف ريال شهريا.
مسكين الأستاذ الجامعي السعودي أعلى راتب هو 28700 ريال شهريا مع قليل من البدلات، ومجموع رواتب الـ37 ألف أستاذ وأستاذة في جامعاتنا الحكومية 10 مليارات ريال سنويا، فلنا أن نقارنهم بمئات الاستشاريين الخواجات وهم يحصدون 5 مليارات ريال لهذه السنة.
أين الكوادر الوطنية من هذا العمل؟ ألا يعمل حاليا في جامعاتنا 37 ألف أستاذ جامعي سعودي؟ ألا نستطيع تكوين فريق منهم مكون من 100 شخص يتفرغون لسنة واحدة لتقديم استشارات للدولة ونستبدلهم بـ100 آخرين كل سنة ونخلق روح التنافس بينهم؟ أليس لكلٍ من هؤلاء الـ37 ألف أستاذ جامعي عشرات الطلبة لمراحل الماجستير والدكتوراه يعملون بحوثا طوال السنة عن "نقص المياه بالهند بعد 20 عاما" و"تأثر العملة الأرجنتينية وتضخمها" و"نموذج التحول الكوري والسنغافوري"؟ أليس من الأولى استغلال بعضهم للمساهمة بدراسات مفيدة لبلدنا؟ أليسوا هم أهل مكة وأدرى بشعابها؟
ماذا قدمت هذه الشركات الاستشارية للمملكة وللشرق الأوسط؟ ماكنزي للاستشارات ستحتفل العام القادم بعامها الـ60 في الشرق الأوسط، عملت خلالها على أكثر من 750 مشروعا للحكومات والوزارات والقطاعات الخاصة، والنتيجة جميعنا يعلم أحوال سوق العمل والوظائف وتنويع مصادر الدخل والصناعات والتطوير في دول الشرق الأوسط. ماكنزي عملت مشاريع تطوير كثيرة في المملكة، ولكن ليس لها أثر إيجابي، ها نحن نعيش نتائجهم ومخرجاتهم.
ماكنزي للاستشارات صاحبة الخطة الشهيرة ذات الـ15 تريليون ريال استثمارات، والتي تزعم مضاعفة حجم الاقتصاد السعودي ليصل إلى 6 تريليونات ريال بعد 15 عاما غير معتمد على دخل النفط بأكثر من 30% والبقية بمباركة القطاع الخاص الذي سترتفع مشاركته من 38% إلى 84%، والذي سيوّلد 6 ملايين وظيفة منتجة ومجدية للسعوديين، خطة ليست من رسم الخيال، بل من خيال الروايات الأسطورية.
استشارات دولية مليارية لسنوات، وها نحن نعيش مشاكل تنموية وفي ازدياد، استشارات في التخطيط واستشارات في التعليم وسوق العمل والنقل والصناعات وغيرها الكثير. نحن لسنا بحاجة إلى هذه الاستشارات، نحن بحاجة إلى القيام بالعمل السليم، وذلك يتم بتوفير مقومات العمل الناجح، تعيين الكفاءات والقضاء على الفساد وإدارة المشاريع وتطوير الكوادر البشرية، وتفعيل دور مشاركة الإنسان والبحوث العلمية وتطوير القطاع الصناعي لننافس الدول المتقدمة بالصناعات المتقدمة والتكنولوجيا.