في وقت تتعدد أشكال نهب ثروات سورية الاقتصادية والتاريخية والعلمية والبشرية، إلى درجة تتجاوز "الصوملة" و"الأفغنة" و"البلقنة" بدرجات في سلم أو "بارومتر" ثالوث التنكيل والتسلط والاستبداد، يأتي الشكل الجديد للنهب الإسرائيلي لثروات الجولان.
ولا تشكل جيوبوليتيكا الجولان أهمية إستراتيجية عسكرية وأمنية لإسرائيل فحسب، بل ثروة اقتصادية وكنزا لا يمكن التفريط فيه. لذا، سارعت إسرائيل إلى إصدار قانون في الرابع عشر من ديسمبر 1981 يقضي بضمه ونزع صفة "الاحتلال" عنه، وسرّعت عملية الاستيطان في الجولان الذي لا يصنف "توراتيا" بأنه من الأراضي "المقدسة"، ووصف المستوطنين فيه بصفة "المستوطنين الاقتصاديين"، بخلاف نظرائهم "المستوطنين الأيديولوجيين" في القدس والضفة الغربية.
لم يتوقف النهب الإسرائيلي لموارد الجولان الطبيعية والزراعية، فالمستوطنون البالغ عددهم نحو 20 ألف نسمة موزعون على 32 مستوطنة يستولون على مساحة تبلع 100 ألف دونم من الأرض التي تستغلها المستوطنات لزراعة الفواكه والخضراوات والحبوب والأزهار، وما تبقى من أراض تصنف كمحميات طبيعية وعسكرية. فيما تحتل السياحة المرتبة الثانية التي تشمل نحو 100 ألف غرفة سياحية تستوعب نحو مليون ونصف المليون سائح سنويا.
أما قطاع الصناعة، فيعمل فيه نحو 1000 عامل موزعين على عشرات المعامل والمصانع التكنولوجية ومراكز الأبحاث والآثار.
ويسيطر المستوطنون على 500 ألف دونم مستغلة للرعي وتربية المواشي والأبقار التي توفر نحو 50% من اللحوم للسوق الإسرائيلية و20% من إنتاج الحليب.
والثروات المائية هي من أهم ما تستغله إسرائيل من موارد الجولان، إذ تستولي على مياه نهري اليرموك وبانياس، واستولت منذ عام 1968 بناء على أوامر عسكرية على كل مصادر المياه، واستولت على 100 نبع ماء، وقامت ببناء 20 مجمع مياه وبركة اصطناعية، تسع 100 مليون م3 من مياه الأمطار والينابيع تستخدم للزراعة. وتوفر نحو 30% من المياه لإسرائيل.
وتزعم إحدى النشرات الإسرائيلية وجود ما تعدّه كنوزا إسرائيلية في الجولان، تتمثل في: مراكز التطوير والبحث الزراعي ومحطات توليد الطاقة الشمسية المنتشرة في مختلف المستوطنات الإسرائيلية في الجولان، ضمن مشروع تحويل الجولان إلى منطقة بيئية وخضراء، والسياحة العلاجية والترفيهية في الحمة وجبل الشيخ.
وشرعت إسرائيل في مطلع تسعينات القرن الماضي، في محاولات للتنقيب عن النفط في الجولان، وتوقفت خلال فترة حكومة إسحاق رابين على إثر المفاوضات بين إسرائيل وسورية، لكن عام 1996، بعد صعود بنيامين نتانياهو إلى الحكم في ولايته الأولى رئيسا للوزراء، تعالت أصوات بتجديد التنقيب عن النفط والغاز في الجولان. وقررت الحكومة الإسرائيلية عام 2012، بشكل سري، استئناف عمليات التنقيب عن النفط في الجولان، حسب قول وزير الطاقة، آنذاك، عوزي لانداو، من حزب "إسرائيل بيتنا" برئاسة وزير الخارجية أفيجدور ليبرمان.
وفسرت المصادقة السرية بأنها وسيلة لتجنب الانتقادات الدولية وتصاعد التوتر مع سورية، في حال نتج عن عمليات التنقيب العثور على نفط أو غاز، وهي العمليات التي تواجهها صعوبة إجراء مسح جيولوجي لطبقات الأرض، بسبب وجود طبقة البازلت البركانية التي تغطي الجولان.
ومنحت وزارة الطاقة والموارد المائية الإسرائيلية في شهر فبراير 2013، وفي سياق الاستفادة من الفوضى الجارية داخل سورية، شركة فرعية إسرائيلية تابعة للشركة الأميركية "جيني للطاقة المحدودة" Genie Energy Ltd، والتابعة لشركة "جيني للنفط والغاز" Genie Oil and Gas التي يضم مجلسها الاستشاري الإستراتيجي نائب الرئيس السابق ديك تشيني، والقطب الإعلامي روبرت مردوخ، والنائب الجمهوري السابق جيم كورتر.
وتسمح رخصة التنقيب عن النفط في الجولان، والتي طعنت فيها مجالس المستوطنين المتضررة على أساس بيئي، لشركة "جيني إسرائيل للنفط والغاز المحدودة" بإجراء عمليات حفر استكشافي في معظم الجزء الجنوبي من الجولان. وحصلت الشركة الإسرائيلية "أوفيك" صاحبة الترخيص، مملوكة جزئيا لوزير البنى التحتية السابق -إيفي ايتام الذي يقيم في إحدى مستوطنات الجولان- على أذونات بالتنقيب عن النفط في 14 موقعا بالجولان، على الرغم من التحذيرات المتعلقة بالأخطار والعواقب السياسية والأمنية المترتبة عن هذه المسألة. وأيضا اعتراضات قدمها المستوطنون في الجولان والمنطقة المجاورة لبحيرة طبريا، نظرا للمخاطر الكامنة في الأساليب والوسائل المتبعة في التنقيب، من بينها استعمال مواد كيماوية والحوامض ومفاعيل الضغط ، مما تؤدي إلى تلوثات هائلة وإشعاعات، وهزات أرضية. وأضاف إليها الخبراء الباحثون الإسرائيليون في تقرير قدم إلى سلطة المياه الإسرائيلية، خطر تلوث المياه، إذ إن "لترا واحدا" من النفط يجعل مليون لتر من المياه غير صالحة للشرب بتاتا، فضلا عن التلوث الخطير اللاحق بالنباتات والحيوانات.
وأصبحت عمليات التنقيب عن النفط في الجولان في مراحل متقدمة، ووصلت الحفارات إلى عمق كيلومتر في باطن الأرض في منطقة مساحتها 400 كلم مربع، تمتد من مستوطنة "كتسرين" وسط الجولان حتى وادي اليرموك جنوبا.
ورجحت شركة "أوفيك" أنها تمكنت من اكتشاف بئر نفط سائل في الجولان السوري المحتل، لكنها لا تستطيع استخراجه ريثما تبت المحكمة في الموضوع، بعدما طالب مستوطنون هناك وقف التنقيبات حفاظا على البيئة.
يشار إلى أن منظمات بيئية وجمعية حماية الطبيعة ومستوطني الجولان يعارضون التنقيبات عن النفط، خوفا من تلويث البيئة والمياه الجارية نحو بحيرة طبريا.
لقد طالب مركز عدالة داخل أراضي 48، ومركز المرصد لحقوق الإنسان في الجولان السوري المحتل، أخيرا، السلطات الإسرائيلية بوقف فوري للتنقيب عن النفط في 11 موقعا مختلفا في الجولان، وذلك في رسالة بعثت بها المحامية سهاد بشارة من مركز عدالة، والمحامي كرامة أبوصالح من المرصد، أكدت أن التنقيب الإسرائيلي ينتهك مبدأ السيادة على الموارد الطبيعية والحق الجمعي لاستخدام هذه الموارد، والذي يعبر عنه قرار الأمم المتحدة الصادر عام 1962، والذي يضمن للشعوب السيطرة على مواردهم الطبيعية، وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2006، والذي يؤكد الحق الحصري لأهالي الجولان باستخدام هذه الموارد.
وخلصت الرسالة إلى أن التصاريح الإسرائيلية للتنقيب عن النفط في الجولان المحتل هي انتهاك صارخ لمبادئ القانون الدولي الإنساني: "بحسب القانون الدولي الإنساني فإن النفط الخام هو ملك ثابت ويُمنع استغلاله، ويمكن اعتبار هذا النوع من الاستخدام على أنه جريمة حرب، بحسب ميثاق روما الذي تأسست بموجبه محكمة الجنايات الدولية".
وكان عضو الكنيست جمال زحالقة، تقدم بطلب استجواب لوزير الطاقة والمياه الإسرائيلي لانداو بشأن تراخيص التنقيب عن النفط في الجولان. وفي رسالة وجهها إلى زحالقة برر الوزير لانداو عدم انتهاك إسرائيل القانون الدولي، بالزعم أن الجولان لا تعدّ منطقة محتلة وفق القانون الإسرائيلي!