يحدثنا التاريخ عن خيانات بعض العرب -أبناء العرق والدين الواحد- على مر الزمن لبعضهم البعض، منذ أن استل قابيل تلك العظمة ليقتل بها أخاه هابيل في أول حادثة غدر سطرها التاريخ، قابيل لجأ إلى الغراب ليداري سوأته التي تداركها بعد أن وقع الفأس في الرأس، ولم تعتبِر من بعده كل الرؤوس من تلك الحكاية حتى يومنا هذا.
على المستوى السياسي كانت خيانات بعض العرب -المسلمين- سببا رئيسيا لانهيار الإمبراطورية العظمى التي وصل حكمها إلى أصقاع الأرض، فغدت بلاد الأندلس والصين تدوّي من مآذنها بنداء الإسلام، لولا تلك الخيانات التي تتابعت لما وصل بنا الحال إلى ما نحن عليه الآن.
في انتخابات الاتحاد الدولي لكرة القدم كانت الفرصة الذهبية والتاريخية للعرب موضوعة على طبق عربي خالص، فكل الظروف تهيأت لتتويج الشيخ سلمان بن إبراهيم إمبراطورا على عرش الفيفا لثلاث سنوات قادمة لولا أن الانتخابات التي جرت أمس شهدت مؤامرة مكشوفة لكل من تابع كواليس وظاهر هذه الانتخابات.
مع كل التقدير والاحترام للأمير علي بن الحسين إلا أنه جانب الصواب حين أصر على استمراره في خوض انتخابات يعلم مسبقا حظوظه فيها، وأنه لن يذهب بعيدا بتصويت ممثلي الدول المنضوية تحت مظلة الاتحاد العالمي.
ما كان محل استغراب لدى الجميع قبل الانتخابات انجلت خطوطه واضحة عقب انتهاء الانتخاب وإعلان النتيجة التي حملت السويسري إنفنيتو إلى كرسي الرئاسة، خصوصا مع تصريحات الأخير التي أدلى بها إلى وسائل الإعلام، وقال فيها "لو حصل الشيخ سلمان على 100 صوت في الجولة الأولى فإني سأمنح أصوات مرشحيّ للأمير علي بن الحسين".
شاهد آخر على المؤامرة -وأقولها مؤامرة للأسف- أن نتائج الجولة الأولى أسفرت عن فوز إنفنيتو بـ88 صوتا مقابل 85 للشيخ سلمان، فيما حصل الأمير علي على 27 صوتا عززت الحقيقة المسبقة عن حظوظه في المنافسة، إلا أن الجولة الثانية صدمت الجميع وحطمت الآمال حين توسع الفارق الذي كان ثلاثة أصوات إلى 27 صوتا لصالح السويسري، في إشارة واضحة إلى اتجاه الأصوات وكيفية حياكتها بخيوط عربية أطاحت بهرم رياضي كبير ممثلا في البحريني الشيخ سلمان بن إبراهيم.
سنبقى نحلم بتبوؤ ذلك المنصب ربما لــ100 سنة قادمة، ولا أعتقد أن الفرصة ستكون كما كانت بالأمس، ويبقى الأمر الأكثر حزنا أن يدير الأميركان والأوروبيون المؤامرات بأيدٍ عربية شتتت أصوات القارة الآسيوية عنادا بالشيخ سلمان.
وتبقى آسيا وحدها النموذج الفريد في دعم ومساندة ممثليها والوحدة الكبيرة التي جسدتها في الالتفاف حول الشيخ سلمان بن إبراهيم، الذي عرفه الآسيويون بقراراته الجريئة وروحه المبادرة للسعي الدائم والدؤوب إلى تطوير كرة القدم ومنظومة العمل في أروقة العمل القاري.
سيتحسر العالم على ضياع فرصة تتويج شخص اتخذ من النزاهة والشفافية مبدأ أساسيا لإعادة الهيبة إلى الإمبراطورية العظمى التي تهاوت على وقع فضائح عظمى لم يشهد لها التاريخ مثيلا، فقدت معها كل ما تم بناؤه خلال أكثر من 100 عام منذ التأسيس وحتى يوم أمس.
حاولوا مرارا وتكرارا إسقاط الشيخ سلمان بن إبراهيم تارة عبر المنظمات الحقوقية التي غابت عن كل ما يجري من أحداث حول العالم، واتجهت لمتابعة سلمان والانتهاكات المزعومة في مملكة البحرين، وحين سقطت هذه النظرية كانت المؤامرة بمنظور عربي صرف (رفعت الأقلام وجفت الصحف).