الفائدة من القراءة، خاصة في تراث وتاريخ الحضارات السابقة والحالية، أن المرء يمر عليه حدث يقرأه ضمن كتاب، مقالة، دراسة أو حتى خبر صحفي، ويكون في بادئ الأمر على شكل معلومات متفرقة، ولكن تأتي لحظة وأنت في حالة تأمل أو تساؤل وفجأة تتبين لك خيوط تربط بين مجموعة معينة من الأحداث لم تكن تراها من قبل، وبعدها تبدأ في رؤية الصورة شبه كاملة أمامك، هنا يزداد فضولك فتسارع إلى مزيد من البحث والتعمق، وكلما قرأت زاد اتضاح الفرضية التي تكونت في ذهنك، ولكنك مجرد قارئ ولست مختصا، ومتى ما اعترفت بقلة معلوماتك وأن نسبة ما تعرفه هو بمثابة نقطة في بحار المعرفة، تستطيع أن تطرحها للنقاش وتصغي لما يأتيك من المثقفين أو المختصين، المهم أنك تُفعّل عقلك لتبحث.

أزعجني جدا كما أزعج كثيرين غيري ربط ديننا الحنيف بالإرهاب والعنف، ومهما حاولنا الاعتراض ووضع الحجج التي تبين أن ديننا هو دين السلام والمحبة، نصطدم بأحداث قام بها مجرمون همجيون ينسبون أفعالهم للدين وهو منهم براء! لقد كانت اللحظة التي أضاءت لي البصيرة وجعلتني أستعيد معلومات متشابهة في المضمون رغم تفاوتها في الزمان والمكان، هي حينما كنت أتابع قراءة أحداث جريمة قتل تمت على يد الغوغاء العام الماضي في أفغانستان، ومن بين مشاعر الاشمئزاز والرعب والغضب تسللت إلى ذهني قصص مشابهة قرأتها من قبل واستنتجت أن هنالك عاملا يتكرر في الخلفية.

حسبما قرأت أن فرخندة كانت تدرس لتصبح معلمة دين، حافظة للقرآن الكريم ترتدي الحجاب والنقاب، وخلال زياراتها مسجد شاه دو شامشيرا، حيث كانت بصدد مساعدة إحدى النساء الفقيرات، حصلت مشادة بينها وبين أحد حماة ضريح المسجد، إذ تجرأت وعنفته على ما يقوم به من نشر الخرافات وبيع وتوزيع الأحجبة على الناس، وبما أنها تعدت على مصدر رزقه وتحدت علمه ومركزه سارع باتهامها وبصوت عال أنها أحرقت القرآن الكريم، وهنا التقطت الغوغاء الخيط وأضيف للتهمة التجسس والعمالة للغرب، وبدأ الضرب بالألواح الخشبية والرجم بالحجارة الكبيرة والثقيلة والوزن، ولم يكتفوا بذلك بل تم دهسها بسيارة ومن ثم إحراق الجثة! وحسب التحقيقات لاحقا أثبت أنها لم تقم بإحراق القرآن! السؤال لماذا تم ذلك من الأساس؟ خوفا وخشية على المال والمركز بين العامة!

والقصة التي رأيت فيها تشابها أيضا كانت في عهد الملك مكسيمانوس في أوائل القرن الثالث ميلادي، وهي عن قتل "بربارة" التي تعد اليوم قديسة بالنسبة للنصارى، أتت من عائلة غنية ذات نفوذ، وحين أدرك والدها الوثني أن ابنته قد خالفته ودخلت في الدين الجديد سجنها وجلدت ومزق جسدها بمخارز مسننة وتم تشويه جسدها بقطع أجزاء منه، وسيقت في شوارع المدينة حتى وصلوا بها إلى حيث تم قطع رأسها! هنا تساءلت هل كان التحريض تدينا أم خوفا على المركز والنفوذ أمام الحاكم والعامة؟

الحدث التالي، قصة الفيلسوفة والعالمة هيباتيا التي عاشت في الإسكندرية في محيط المكتبة حيث درّست علوم الفلسفة والرياضيات، ومن بين تلامذتها النصارى والوثنيون، وكانوا يأتون إليها من الأقاصي للتعلم على أيديها، وحين زاد عددهم شعر الأسقف كيرلس الأول بالخطر، حيث كان أيضا في صراع على نفوذ المدينة مع أحد تلامذتها وأصدقائها المقربين الوالي أوريستوس، فأطلق عليها جموع من الغوغاء وتم قتلها بطريقة وحشية؛ سحلت عارية في شوارع المدينة حتى سلخ جلدها ثم سلخ الباقي بالأصداف، وحين ماتت أحرقوا جثتها. والسؤال هنا أيضا، لماذا تمت الجريمة؟ من أجل النفوذ والسلطة على المدينة!

وبدأت القصص تعود لي تباعا جان دارك ومحاكمتها وحرقها، التي أُثبت فيما بعد زور ما اتهمت به! هل كان ذلك بسبب الدين؟ كلا بل بسبب موقفها من البريطانيين ومحاربتها لطردهم من فرنسا وغيرها من الحقائق السياسية في تلك الحقبة! وماذا عن محاكمات السحر في بلدة سالم بولاية ماساتشوستس؟ حيث أظهرت بعض الدراسات التي أتت فيما بعد محاولة تفسير عمليات الإعدام أن الاعترافات تمت تحت التعذيب، وأن الاتهام كان غالبا راجعا للغيرة أو حرب بين الأسر على الأراضي، وأن من ادعى أهاليهم بأنه تم سحرهم كان بسبب ظاهرة تدعى "الهستيريا الجماعية" عدا نوعية الغذاء الذي كان يحتوي على LSD؛ نوع من المخدرات يسبب الهلوسة! المساحة هنا لا تسمح بشرح أوسع، لكن النقطة الواضحة هنا أنه كان هنالك صراع بسبب الغيرة أو الأملاك أو النفوذ!

الخيط الواضح أن هنالك دائما محرضا أساسا يحرك للانتقام لأسباب عدة، المهم أنهم استخدموا الدين كواجهة أو غطاء، بدليل أن الضحايا كانوا يعيشون بين المجاميع إلى أن تم التحريض! والذين استُغلوا كأداة للجريمة هم الغوغاء الجهلة ممن تم تحريكهم كما يريد المحرض، معتمدا على تعلقهم بالدين، ومن هنا حور وفبرك وأشعل الحقد في القلوب، ثم أطلقهم كالذئاب ينهشون بالضحية، ومن قام منهم بالفظائع بالأساس كان لديهم استعداد للتوحش بغض النظر عن ديانتهم، ومتى سالت الدماء أصبحوا كالوحوش المسعورة تسحل وتمزق وتسلخ وتقطع وتحرق وتقتل بدون وعي!

وهنا أوجه سؤالي للغرب الذي يرمي ديننا الحنيف بتهمة الإرهاب والتوحش: هل الدين هو المحرك للقتل؟