في خطوة تاريخية تعد الأولى من نوعها لربط شطري العرب والقارتين الآسيوية والإفريقية، أعلن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، أمس، عن اتفاقه مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على إنشاء جسر بري يربط بين المملكة ومصر.
وقال الملك سلمان في كلمة ألقاها في قصر الاتحادية الرئاسي بعد تتويجه بقلادة النيل - أرفع الأوسمة - تقديرا لما قدم من خدمات إنسانية جليلة، وتشريفه والرئيس المصري توقيع 17 اتفاقية ومذكرات تفاهم وتعاون بين البلدين في عدد من المجالات، إن المملكة تقف بكل إمكاناتها وفي مختلف الظروف إلى جانب مصر منذ زيارة الملك المؤسس الوحيدة خارجيا إليها عام 1946، مقدرا لرئيسي وأعضاء الجانبين في مجلس التنسيق السعودي المصري ما بذلوه من جهود موفقة للارتقاء بمستوى العلاقات.
أعلن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، أمس، إنشاء جسر يربط بين المملكة ومصر، عبر البحر الأحمر، فيما بادر الرئيس المصري بإطلاق اسم الملك سلمان على الجسر، وهو ما لاقى ترحيبا كبيرا من الحضور خلال المؤتمر الصحفي الذي جمع الزعيمين عقب جلسة المحادثات الثنائية أمس.
وقال الملك سلمان في كلمته "يسرنا ونحن نزور أرض الكنانة، أن نتقدم بالشكر لكم ولشعب مصر، على ما لاقيناه من حفاوة استقبال وكرم ضيافة وتعزيز العلاقات التاريخية بين البلدين"، معلنا "إنشاء جسر بري يربط بين البلدين، مما سيحدث نقلة نوعية في كافة القطاعات، كما سيرفع من حجم التبادل التجاري، ويدعم صادرات البلدين، ويشكل منفذا للمشروعات الواعدة، وتوفير فرص عمل لأبناء المنطقة".
وأضاف الملك سلمان بن عبدالعزيز، "الزيارة والعلاقات بين البلدين تأتي وفقا لما تم الاتفاق عليه في إعلان القاهرة، والعلاقات بين البلدين وقوتها تأتي في ظل واقع عربي وإسلامي جديد، واتحادنا في سبيل عدم التدخل في شؤوننا الداخلية، ورفضنا المساس باليمن واستقراره والانقلاب على الشرعية، كما شكّلنا تحالفا إسلاميا عسكريا لمواجهة الإرهاب، وكانت مناورات رعد الشمال رسالة قوية للعالم عن قوتنا في تحالفنا الإسلامي والعربي، وكانت مصر من أوائل الدول التي أعلنت مشاركتها في فعاليات هذه التحالفات، ومشاركة مصر مشاركة فاعلة في هذا التحالف، نحو واقع عربي جديد، ونتمنى إتمام الاتفاق على تشكيل قوة عربية مشتركة في أقرب وقت".
معالجة أزمات المنطقة
قال الرئيس السيسي في كلمته "إنه من دواعي سروري أن أرحب بالملك سلمان بن عبدالعزيز، على أرض الكنانة، في هذه الزيارة التاريخية التي تحلّون فيها أخا كريما وضيفا عزيزا في بلادكم وبين أهلكم الذين يحرصون دوما على أن ينقلون إليكم مشاعر الود والإخوة والإعزاز التي يكنها الشعب المصري لجلالتك وللشعب السعودي الشقيق، وهذه الزيارة إنما تأتي توثيقا لأواصر الأخوة والتكاتف القائمة بين البلدين، وترسي أساسا وطيدا للشراكة الإستراتيجية بين جناحي الأمة العربية: مصر والسعودية، وتفتح المجال أمام انطلاقة حقيقية بما يعكس خصوصية العلاقات الثنائية، خصوصا في مجال العمل المشترك، وبما يسهم في مواجهة التحديات الإقليمية غير المسبوقة التي تواجهها الأمة العربية".
ترحيب 90 مليونا
أضاف الرئيس، أن "90 مليون مصري يرحبون بخادم الحرمين الشريفين في زيارته وطنه الثاني مصر، مما يفتح مجالا أكثر للعلاقات بين البلدين، إذ تم توقيع كثير من الاتفاقيات التي تسهم في التعاون بين البلدين". وقال "أمتنا العربية والإسلامية تمر بمرحلة دقيقة، نتحمل فيها مسؤولية كبرى أمام شعوبنا، خصوصا الأجيال القادمة، وأثق في أن خصوصية العلاقات المصرية السعودية، وما تنطوي عليه من عمق ورسوخ، ستمكننا سويّا من مواجهة التحديات المشتركة، والتعامل الجاد مع كل من يسعى إلى المساس بالأمن القومي العربي، أو الإضرار بالمصالح العربية، أو تهديد الأمن والاستقرار اللذين تتطلع إليهما شعوبنا، وثقتي كاملة في أن التنسيق المشترك بين مصر والسعودية يمثل نقطة انطلاق حقيقية لمعالجة كثير من أزمات المنطقة على نحو ما نشهده في القضية الفلسطينية واليمن وليبيا وسورية وغيرها من الأزمات، رغم ما تعانيه بعض دول المنطقة من صعوبات نتيجة احتدام الصراعات".
توثيق أواصر الأخوة
قال السيسي "زيارة الملك سلمان لمصر تأتي توثيقا لأواصر الأخوة والتكاتف القائمة بين البلدين، وترسي أسسا وطيدة للشراكة الإستراتيجية بين مصر والسعودية، وتفتح المجال أمام انطلاقة حقيقة بما يعكس خصوصية العلاقات الثنائية، خصوصا في مجال العمل المشترك، وبما يسهم في مواجهة التحديات الإقليمية غير المسبوقة التي تواجهها الأمة. والشعب المصري لن ينسى لكم مواقفكم إلى جانبنا منذ حرب الاستنزاف والعدوان الثلاثي، وتطوعكم في التعبئة الشعبية، وستظل تلك المواقف محل تقدير واحترام، ومواقفكم تنم عن أصالة وهي محل تقدير من شعب مصر لشخصكم الكريم، وسنسطر سويا فصلا جديدا في العلاقات لفتح آفاق عدة في مجالات التعاون المشترك للأجيال القادمة".
قلادة النيل لخادم الحرمين
منح الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، أمس، قلادة النيل لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بالقرار الرئاسي رقم 165 لسنة 2016، تقديرا لدوره في دعم مصر والعلاقات المميزة بين مصر والمملكة العربية السعودية، وذلك في حضور الوفد الرسمي المرافق للعاهل السعودي، وأعضاء الحكومة المصرية.
وتضمن القرار الرئاسي منح قلادة النيل التي تعد أرفع وسام مصري، للعاهل السعودي، أنه جاء "إظهارا لعظيم المكانة التي يتمتع بها جلالة الملك سلمان بن عبدالعزيز، وذلك وفقا للقرار رقم 165 لسنة 2016، ووفقا لما ينص عليه القانون رقم 12 لسنة 1972 بمنح القلادة التي تعد أرفع درجة تكريم مصرية، للملوك والرؤساء الذين قدموا إسهاما مميزا في خدمة الإنسانية".
نص كلمة خادم الحرمين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
فخامة الأخ العزيز الرئيس عبدالفتاح السيسي
رئيس جمهورية مصر العربية الشقيقة
أصحاب المعالي والسعادة
الحضور الكرام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يسرنا اليوم، ونحن نزور أرض الكنانة، بلد التاريخ والحضارة والعلم والثقافة، أن نتقدم بالشكر لفخامتكم وللشعب المصري الشقيق، على ما لقيناه من حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة. إن زيارتنا هذه تأتي في إطار سعينا لتعزيز صرح العلاقات التاريخية الوطيدة بين بلدينا الشقيقين، والتي تصب في خدمة شعبي البلدين، وتوثيق عرى التعاون المشترك، وخدمة قضايا أمتنا العربية والإسلامية، ودعم الأمن والسلم الإقليمي والدولي.
فخامة الأخ الرئيس
لقد حرص الملك المؤسس عبدالعزيز –رحمه الله- على ترسيخ أساس صلب للعلاقات السعودية – المصرية. وكانت زيارته إلى مصر عام 1946 هي الزيارة الخارجية الوحيدة التي قام بها طيلة فترة توليه الحكم، مما أكد الأهمية الكبيرة التي كان يوليها –رحمه الله- لهذه العلاقة الفريدة والمتميزة. ولقد وقفت المملكة العربية السعودية منذ ذلك التاريخ إلى جانب شقيقتها جمهورية مصر العربية بكل إمكاناتها وفي مختلف الظروف، مما جعل بلدينا حصنا منيعا لأمتنا العربية والإسلامية.
فخامة الأخ الرئيس
أيها الأخوة الكرام
إننا إذ نشيد بما نشهده اليوم من إبرام العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم والبرامج التنفيذية والتي ستعود بالخير -بحول الله- على بلدينا وشعبينا الشقيقين، نود أن نعبر عن تقديرنا لرئيسي وأعضاء الجانبين في مجلس التنسيق السعودي المصري لما بذلوه من جهود موفقة للارتقاء بمستوى العلاقات في مختلف المجالات، وفقا لما تم الاتفاق عليه في إعلان القاهرة، وخدمة لمصالح بلدينا وتطلعات شعبينا الشقيقين.
وامتدادا لهذه الجهود المباركة، فقد اتفقت مع أخي فخامة الرئيس على إنشاء جسر بري يربط بين بلدينا الشقيقين اللذين يقعان في قلب العالم. إن هذه الخطوة التاريخية، المتمثلة في الربط البري بين القارتين الآسيوية والإفريقية، تعد نقلة نوعية ذات فوائد عظمى، حيث سترفع التبادل التجاري بين القارات إلى مستويات غير مسبوقة، وتدعم صادرات البلدين إلى العالم، كما سيشكل الجسر منفذا دوليا للمشاريع الواعدة في البلدين، ومعبرا أساسيا للمسافرين من الحجاج ومعتمرين وسياح، إضافة إلى فرص العمل التي سيوفرها الجسر لأبناء المنطقة.
إننا فخورون بما حققناه من إنجازات على كافة الأصعدة، والتي جعلتنا نعيش اليوم واقعا عربيا وإسلاميا جديدا تشكل التحالفات أساسه، فلقد اتحدنا ضد محاولات التدخل في شؤوننا الداخلية، فرفضنا المساس بأمن اليمن واستقراره والانقلاب على الشرعية فيه، وأكدنا تضامننا من خلال تحالف إسلامي عسكري لمحاربة الإرهاب، شمل 39 دولة هو الأقوى في تاريخ أمتنا الحديث، وبعثنا قبل أيام برسالة إلى العالم عبر رعد الشمال، نعلن فيه قوتنا في توحدنا. وقد كانت جمهورية مصر العربية، وكعادتها، من أوائل الدول المشاركة بفاعلية في هذه التحالفات وهذا التضامن الذي دشن لعصر عربي جديد، يكفل لامتنا العربية هيبتها ومكانتها. كما نأمل أن تكلل بالنجاح الجهود المبذولة لإنشاء القوة العربية المشتركة.
وختاما، أدعو الله عز وجل أن يبارك جهودنا، وأن يوفقنا إلى ما فيه خير شعوبنا وأمتنا العربية والإسلامية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.