السفير الأميركي مستر جوزيف ويستفال في منتدى التنافسية رد على وزير الصحة، رئيس شركة أرامكو الفالح بقوله إن طلاب التعليم العام هم درة التاج السعودي، وهم الأهم والأجدر بالاستثمار.
في الحقيقة أن الثروات الطبيعية في معظم الأحيان تكون وبالاً على الشعوب، وأقرب مثال على ذلك دولة مثل إسبانيا في أوروبا التي صعدت دولها قطار الثورة الصناعية وتركوها خلفهم، لمجرد أنه تزامن انطلاق القطار مع اكتشافهم مناجم الذهب في أميركا الجنوبية، فأتخمتهم الثروات السهلة التي تلقيها سفنهم القادمة عبر المحيط على موانئهم ليفيقوا بعد أن نفد الذهب ويجدوا أنفسهم في لجة الفقر والحاجة يبحثون عن فرصة عمل في بريطانيا وفرنسا، ولولا الآثار الإسلامية لربما أفلسوا كما أفلست اليونان.
علميا؛ ثبت أن استثمار المؤسسة أو الدولة في شخص ما بقيمة 5 دولارات يعني أنها ستجني مقابل ذلك 30 دولارا، لكن شريطة أن تعد طريقة للاستفادة منه وليس أن تترك الأمر للصدف.
السعودية قامت بذلك بجدارة واستثمرت في السنوات العشر الأخيرة بمليارات الريالات في الشباب السعودي، مما يتوقع معه أنها ستجني مقابل كل مليار 6 مليارات، بالطبع إذا كانت لديها خطة للاستفادة، وليس أن تترك هذا الاستثمار دون متابعة ودون حرص على أن يكون في مكانه المناسب، لأنك حينها تغامر باستثمارك والأكيد أنك ستخسره.
أحد أهم نماذج الاستثمار في الشباب هو الزميل في عالم الرواية والكتابة والغربة الدكتور علاء الغامدي.
في الواقع عندما أردت الكتابة عنه كنموذج وضعت اسمه في متصفح "قوقل" كمحاولة لقراءة ما يقال عنه، خاصة أنه أستاذ جامعي في جامعة طيبة، لأجد عبارة كتبها أحد طلابه جوابا عن سؤال من طالبة لديها مادة معه، فكان رد الطالب جاذبا للابتسام والدهشة قال: "لا تقلقي من الدرجة فهو يعطي المهم أن تعملي".
قلت في نفسي جيدا، لقد نقل الأستاذ الجامعي تجربة الطالب في العالم الغربي حيث من يعمل يجد الأجر، وهي بالمناسبة قاعدة إسلامية تطبق في الاجتهاد فقهيا، لكن الغرب اكتشف جودتها فعممها ونسيناها، نحن وإن كان تذكرها الدكتور علاء وعمل بها.
الدكتور علاء يعمل حاليا في جامعة ليدز في بريطانيا كأستاذ زائر في الأدب الإنجليزي وهو كاتب في صحيفة عرب نيوز، والرجل الذي تخرج من تحت يديه التغريدات التي يطلقها حساب سعودي (غاردينز)، والذي سبق أن كتبت عنه وعن دوره العظيم في الرد على الإعلام الغربي فيما يخص المملكة العربية السعودية وما تتعرض له من حرب هوجاء متعمدة لتشويه سمعتها عبر تجنب المصداقية، والذي يعمل الدكتور علاء بمقالاته القوية باللغة الإنجليزية على إظهارها وشرح الوضع للقارئ الغربي في هذا الوقت الحرج.
في الإعلام السعودي هناك 4 إعلاميين يجيدون اللغة الإنجليزية ولديهم ثقافة تؤهلهم لمخاطبة الإعلام الغربي، وأظن أنه لا حاجة إلى ذكرهم لأننا نعرفهم جميعا.
4 أشخاص في بلد عدد سكانه 26 مليونا وعدد من تعلموا في أوروبا وأميركا قد يتجاوز 500 ألف في السنوات العشر الأخيرة.. كيف حدث ذلك؟
السبب ألا أحد بحث عن استثمارات المملكة وعمل على تقديمها مثل الدكتور علاء الغامدي وزملائه، فلماذا لا تمنح القنوات الفضائية -خاصة قناة العربية- لهؤلاء الفرصة، بل لماذا لا تتعاون معهم وزارة الخارجية عبر ترتيب لقاءات ومؤتمرات مصغرة للإعلاميين الغربيين والمثقفين وتقديم هؤلاء الشباب لهم؟
لقد حضرت مناسبة في احتفالية عالمية ووقفت عند ركن دولة معادية لنا، فإذا المكان يعج بمثقفي بريطانيا وإعلامييها، بينما كان يقدم شاب صغير بهي الطلعة موضوعا عن بلده بلغة إنجليزية رائعة ومتمكنة، وفي نفس الوقت كان ركن المملكة لا حس فيه ولا خبر سوى رجال يجلسون حول طاولة ويحتسون القهوة ويتبادلون الأحاديث.
إن الأمر لا يتوقف عند مجرد تجاهل الاستثمار وتركه للصدف، بل هناك من يتواطأ لطرد هذا الاستثمار وإبعاده لغايات في نفسه، ويؤسفني أن أقول إن هذا يحدث، ولقد قابلت طالبة سعودية مبتعثة إلى جامعة بريستول إحدى أهم 10 جامعات في العالم، وكنت مسرورة حقا بها وبتخصصها لأكتشف أنها بعد تخرجها لم تجد مكانا في السعودية يناسب تطلعاتها وحصلت في مقابله على عقد في اليابان ورحلت لتعمل هناك.
لقد استثمرنا مليارات الريالات في مصدر للتقدم والرقي والحضارة، فلماذا نتعامل معه بهذه الطريقة البعيدة عن الاحترافية!
إن خسارة شاب واحد من هؤلاء معناه التأخر في سلم الحضارة والتقدم، لذا لا يجب أن تقف المملكة في منتصف الطريق. فبعد أن استثمرنا كل هذه المليارات يجب أن نعيدها بـ6 أضعافها كما نرجو وأفضل.