من يتتبع تاريخ لبنان، يجد أن أبرز سماته "الحرب الأهلية اللبنانية" التي هي فعليا حروب "الآخرين" في لبنان، ومنهم إيران "الخمينية" كما هو معروف، إذ لم تدخل إيران الحرب اللبنانية طرفا داعما رئيسا سوى بعد الثورة الخمينية، على الرغم من تأسيس حركة أمل في لبنان بزعامة السيد موسى الصدر، وهو رجل دين إيراني قدم إلى لبنان عام 1955، ليؤسس عام 1974 حركة المحرمين، التي تطورت إلى "أفواج المقاومة اللبنانية" وتعرف اليوم اختصارا بحركة "أمل".

وكان الهدف الرئيس من تأسيس الحركة رعاية مصالح المواطنين اللبنانيين المنتمين إلى الطائفة الشيعية على وجه الخصوص، وتجدر الإشارة إلى أن أول مسؤول تنظيمي لحركة "أمل" هو العالِم الفيزيائي الإيراني الشهير الدكتور مصطفى شمران، خريج جامعة كاليفورنيا، والذي شارك مع علماء وكالة ناسا في برامجها في مجالات الفضاء، وأصبح لاحقا أول وزير دفاع لإيران بعد الثورة الخمينية، وقُتل في مواجهات الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينات القرن الماضي.

قال عنه رئيس حركة أمل رئيس مجلس النواب اللبناني الأستاذ نبيه برّي في إحدى المناسبات: "لمصطفى شمران أول مسؤول تنظيمي مركزي لحركة أمل، ولمصطفى شمران وزير دفاع الثورة الإسلامية والجمهورية الإسلامية في إيران، للجمهورية الإسلامية الإيرانية التي رسمته فارسا من فرسانها، ولحركة أمل التي علمها الحرب والحب، ولكم جميعا في يوم مصطفى شمران.. تحية".

وتعود قصة صعود نجم الرئيس نبيه برّي عقب الفراغ الذي تركه اختفاء السيد موسى الصدر مؤسس الحركة، وبعد محاولة السيد حسين الحسيني ملء ذلك الفراغ، حين كان صراع الطوائف اللبنانية على أشده دخلت فيه دول أخرى كثيرة أدى إلى سقوط الدولة اللبنانية ومؤسساتها فعليا -وإن بقي شكلها ومظهرها- وكان لحركة أمل دور مؤثر في صد الهجوم الإسرائيلي على منطقة خلدة في بيروت؛ مما جعلها رقما أساسيا في المعادلة اللبنانية لاحقا.

إلا أن العام ذاته 1982 الذي اجتاحت فيه إسرائيل بيروت، كان منعطفا آخر حمل أيضا تطورا سياسيا وأيديولوجيا وعسكريا على المستوى اللبناني، تمثل في نشوء "حزب الله" كقوة لبنانية شيعية، أسهم في التهيئة لولادتها فكريا واجتماعيا السيد محمد حسين فضل الله رجل الدين الشيعي، ذو الولادة والنشأة العراقية.

وعلى الرغم من عدم وجود قيادة فردية معروفة للحزب قبل عام 1989، انتخب السيد صبحي الطفيلي أمينا عاما للحزب في هذا العام، ثم أقيل بعد إعلانه العصيان المدني على الحكومة اللبنانية، وتولى المنصب بعده لعدة أشهر السيد عباس الموسوي إلا أنه اغتيل في 1992 ليتولى بعده أمين الحزب الحالي السيد حسن نصرالله.

تقوم عقيدة "حزب الله" على تجاوز لبنان -كوطن ومؤسسات- إلى التبعية المباشرة لإيران، فقد أصدر الحزب بيانا في 1985 يوضح عقيدته بأنها التزام بأمر "ولاية الفقيه" المتجسدة في الخميني.

ويتحالف اليوم حزب الله وحركة أمل كقوتين شيعيتين، لا كقوتين لبنانيتين سياسيتين فقط؛ لأنهما يملكان اليوم قوة المال والسلاح، وعلى الرغم من ميل حركة أمل إلى المدنية وعدم طرح الشعارات المذهبية المباشرة بعكس الحزب الذي يعدّ اليوم القوة الأكبر في لبنان بسيطرته على مقاليد الأمور بشكل مطلق نتيجة عوامل بنائية أولها التغذية الأيديولوجية/ المذهبية الممتزجة بعسكرة أبناء الطائفة الشيعية اللبنانية، خلال دعم إيراني مباشر بالمال والسلاح تم غض الطرف عنه دوليا طوال ثلاثة عقود ونصف، وحول التحالف بين حركة أمل وحزب الله أكد تقرير للمخابرات البلجيكية "sgr" نشر عام 2001 نشاط الطرفين في تجارة الماس والسلاح في إفريقيا منذ زمن بعيد.

هنا، لن نجد فرقا بين من يرتدي ربطة العنق وبين من لا يرتديها؛ لأن المشروع واحد والهدف واحد، وهو اكتمال ما سمي خطأ بـ"الهلال الشيعي" الذي يبدأ في إيران مرورا بالعراق وسورية وانتهاء بلبنان -بعد اختطاف مؤسسات الدولة اللبنانية ذات الخصوصية المذهلة في ثرائها التكويني- والحقيقة أن هذا الهلال الذي يقترب اليوم من الاكتمال ليس شيعيا في حقيقته، بل هو هلال إيراني/فارسي، وأول المتضررين منه هم أبناء الطائفة الشيعية العربية في لبنان والعالم.