شيوع ظاهرة العنف في المجتمع يحتاج من الباحثين إلى وقفة، ليس لمعرفة الأسباب فقط، ولكن لتحليل الدوافع التي وصلت بالفعل إلى هذه الفظاعة من القتل بدم بارد، ولأقرب المقربين في الأسرة، أمه، أخيه، ابنه، كما حدث مع قاتل ولده في منطقة جازان، والذي نحره بوحشية دون أن يرف دمه جفنه. تلذذ وهو يقطع أوصال الحياة في روحه البريئة، ولم تكن جريمته هي الوحيدة، فقد ارتكبت جرائم أخرى مروعة خلال الفترة الماضية، جل المغدورين فيها من أقرب المقربين إلى القاتل، والأسباب غير معلومة، إلا ما تم تأويله إلى مرض نفسي، أوإدمان مخدرات، هذا إذا استبعدت التصفيات الجسدية بدافع ديني والتي ذهب ضحيتها عدد كبير من الأبرياء، والفاعل أيضا من المقربين في العائلة، وهنا نلحظ تساوي التطرف الديني والإدماني في عملية إزهاق النفس نتيجة خلل مشترك، هو ذهاب العقل.

وإن كانا التطرف والإدمان هما من الأسباب القوية، إلا إن الفراغ إضافة إلى الحرمان والحاجة وبعض التغيرات الاجتماعية والاقتصادية، تشكل عاملا قويا في تهاوي الذات، ودخول الفرد في دائرة من السوداوية، وسيطرة اليأس على حياته، فيتساوى لديه الموت والحياه، بل كثافة السواد قد تزين له الموت، وأن فيه الخلاص من ضياعه وألمه. لذلك، إن لم ينه حياته بنفسه عن طريق الانتحار، فقد يعتدي على حياة مقرب إليه، وهنا يتضاعف تعذيب الأنا في داخله، ويدخل دائرة الانتحار البطيء أو المؤجل.

الغريب، أننا ما زلنا نتعامل مع هذه الجرائم بسلبية، وكأن حدوثها شيء اعتيادي ومألوف، بينما الأمر خطير جدا، ويمكن أن يتطور إذا لم تبحث المسببات وتعالج، وحتى لو سلمنا بفرضية الإدمان والمرض النفسي وأيضا التحريض الديني العنيف كأسباب رئيسية، أليست هناك خطط للوقاية من الوصول إلى هذا الطريق المظلم، وإن وصل فما وسائل العلاج؟

الموضوع يحتاج تضافر الجهود، وطرح المشكلة بجدية ومكاشفة على طاولة النقاش، ليعي المجتمع بأكمله أي خطر يدهمه الآن، وأن إسقاط الأسباب على أعداء وهميين هو شحن للمشكلة وزيادة في حجمها وحصيلة مضاعفة لنتائجها، لأننا دون أن ندري نتستر على السبب الرئيسي بل ونغذيه إلى أن يكبر، فتصبح السيطرة عليه أمر في غاية الصعوبة، بل من المستحيلات التي سنصبح معها مجتمعا يحتضن الإجرام دون أن يدري.