على الرغم من إعلان وزير الخارجية الأميركي جون كيري أخيرا عن "وقف الأعمال العدائية" في سورية، إلا أنه لا يزال هناك كثير من العمل الذي يتعيَّن القيام به للتكلم عن "التقدم المحرز على الصعيد الإنساني" بما يتجاوز نية "تسريع إيصال المساعدات الإنسانية وتوسيع نطاقها".

وفي حين أن إنشاء الممرات الإنسانية أو الملاذات الآمنة أو المناطق الآمنة أو المناطق العازلة أو مناطق الحظر الجوي يمكنه أن يحقق انفراجة في الأزمة الإنسانية في سورية، إلا أن بإمكانه أيضا أن يطرح مضاعفات كثيرة ويخلق العديد من الآثار من الدرجة الثانية والثالثة في المنطقة.

وفي الواقع، أن سياسة الولايات المتحدة لا تدعم حاليا هذه الخطوات، إلا أن الاعتبارات والمخاوف الإنسانية بشأن تأثير اللاجئين في الدول الحليفة للولايات المتحدة -أو رفض سورية وروسيا وإيران الالتزام بوقف إطلاق النار- قد تجبر واشنطن على إعادة النظر في موقفها وتقييمها لأجوبتها عن أسئلة تتعلق بمَنْ وماذا وأين ولماذا وكيف يمكن أن يحصل هذا النوع من التدخلات في سورية.

من شأن الملاذات/ المناطق الآمنة أن تفرض كثيرا من المتطلبات الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية والإنسانية. ويمكن أن تشمل هذه الدور الإنساني المحتمل للمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية، بما فيها وكالات الأمم المتحدة في غياب قرار جديد من مجلس الأمن. ومن ثم، لا بد من تناول طبيعة الالتزامات العسكرية والأمنية اللازمة، سواء خارج المنطقة لحمايتها أو في داخلها، فضلا عن الطرف الذي من شأنه أن يوفر هذه الموارد.

وقبل الشروع في أي مبادرة، على المخططين أن يبنوا سياسات للتوصل إلى الردود المحتملة أو ردعها، سواء من نظام الأسد أو حلفائه أو تنظيم "داعش" أو "جبهة النصرة" أو غيرهما من الجماعات، كما أنه من الضروري إعداد استراتيجيات للانسحاب.

أما بالنسبة إلى الحالة الأمنية العامة في المنطقة فقد تدهورت بشكل كبير بسبب عدد من العوامل هي: تدفق اللاجئين المزعزع للاستقرار إلى الدول الأوروبية الحليفة لأميركا في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وظهور تحالف دبلوماسي عسكري بين روسيا وإيران وسورية والجماعات الشيعية بهدف محتمل على الأقل يتمثل في الحلول محل نظام الأمن الإقليمي الذي تتزعمه الولايات المتحدة ومع قدرة كبيرة على تحقيق هذه الغاية، وصمود تنظيم داعش، حتى لو تم احتواؤه في العراق وسورية، وذلك بجزء منه عن طريق الانتشار في أماكن أخرى وتهديد دول في جميع أنحاء العالم بشنِّ الهجمات الإرهابية.

وعلى المستوى النفسي، ونظرا لتصورات الأصدقاء والأعداء بأن الولايات المتحدة لن تتخذ أي إجراءات عسكرية حاسمة، فإن أي تحرك عسكري أميركي أساسا، إذا لم يتم بشكل متهور، من شأنه أن يساعد في طمأنة الشركاء الإقليميين وإلحاق بعض الخوف بتحالف روسيا - إيران. أما إذا تحرك الجيش الأميركي بشكل متهور أو غير مدروس فسيؤدي إلى تراجع مكانة الولايات المتحدة في المنطقة وإضعافها وحلفائها على حد سواء.