لعل من أكثر ما يؤلم نفس الإنسان المسلم ويجرح مشاعره، ويُسبب له الضيق والهم والغم والحزن أن يرى حُرمات الله تعالى تُـمتهن وتُبتذل ويُعتدى عليها بشكلٍ فيه ما فيه من الاستخفاف واللامبالاة وعدم الاحترام.

أقول هذا وقد انتشـر أخيراً عبر بعض وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتمـاعي العديد من المقاطع المصورة التي تُصور عدداً من المظاهر والحالات المختلفة التي يتم فيها امتهان كتاب الله العظيم وتعرُضه للتدنيس وعدم الاحترام.

يُضاف إلى ذلك ما يُنشـر بين حينٍ وآخر عن تـمزيق أوراق المصحف الشـريف واستخدامه في أغراضٍ دنيئةٍ ونحو ذلك من الصور والحالات الكثيرة التي تُنبئُ بمـا لا يدع مجالاً للشك عن تزايد مظاهر الإهمال في العناية بالمصاحف الشـريفة، وعدم احترامها من قبل البعض في واقعنا الاجتمـاعي، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم.

وهنا أقول: إن هذه القضية ليست بالأمر السهل الذي يُمكن تجاوزه والتهاون في شأنه، أو غض الطرف عنه، فهي تُمثل في حقيقتها مـخالفةً صـريحةً لما أوجبه الله تعالى علينا من حفظ كتابه الكريم والعناية به، واحترامه وإجلاله، وعدم التهاون في العناية اللازمة به، ولاسيمـا أننا قد أُمرنا بذلك في مُحكم التنزيل، قال تعالى (وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ). فأين نحن مع هذه المقاطع المصورة الواضحة الصـريحة من تعظيم الله تعالى وتعظيم كلامه وأسمـائه الحسنى؟

وأين نحن مع تلك الأخبار المُتكررة من القيام بمـا يجب علينا جميعاً من الغيرة على كتاب الله تعالى، وإنزاله منزلته اللائقة به، والحرص على تعظيمه واحترامه في كل وقتٍ وحين، وفي كل زمانٍ ومكان؟

ولماذا نغضب من الكفار وغير المسلمين عندما يُمزقون أوراق المصحف الشـريف ونُعلن عن حـملات الشجب والاستنكار، ونحن في واقعنا لا نعتني بكتاب ربنا كمـا ينبغي؟

ولماذا لا تُعنى الجهات المعنية في وزارتي (التعليم) و(الشؤون الإسلامية) على وجه الخُصوص بالـمصاحف وما في حكمها من الكتب الدينية، فتتولى بشكلٍ جديٍ ومستمرٍ جمع التالف منها، وتعمل على استصلاحه والإفادة منه بطريقةٍ أو بأُخرى، أو التخلص منها بالطريقة المناسبة التي لا امتهان فيها ولا ابتذال.

إنني أجزم ومعي كل عاقلٍ أن اهتمـام هاتين الوزارتين بهذا الشأن يُعد من صميم واجباتهمـا، وأنه - بلا شك - أولى من بعض البرامج التي يُطالعوننا بها صباح مساء، والتي لا نفع فيها ولا فائدة في الغالب، بل إنها في حقيقتها لمُجرد الاستهلاك الإعلامي رغم ما يُصـرف عليها من الميزانيات والمبالغ الطائلة، ورغم ما يُجند لها من الطاقات الهائلة التي لو تم توجيهها للعناية بكتاب الله تعالى في مدارسنا ومساجدنا لكان أشـرف وأفضل وأحسن وأجدى، ولأمكن لكل فردٍ من أفراد المجتمع أن يُشارك وأن يُسهم بفعالية في هذا الشأن؛ أما أن تظل مسألة العناية بالتالف من النسخ للمصاحف محصورةً في بعض الجمعيات الخيرية أو الجهات الخاصة التي تُعاني من ضعف الإمكانات وفردية الاهتمـامات؛ فهذا مؤشـرٌ على عدم العناية والاهتمام بأغلى ما يجب علينا أن نهتم ونعتني به.