علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نتعلم، وقد جاء رسولنا ليتمم مكارم الأخلاق، وهو من عانى صلى الله عليه وسلم من حادثة الإفك من بعض الصحابة، ثم جاءه رجل زان يطلب إنزال العقوبة به فيقول الرسول لأصحابه "ما بال صاحبكم"، ثم تأتيه امرأة وتعترف بأنها زنت وتطلب منه أن ينزل بها الحد الشرعي ويعرض عنها حتى ألحت عليه، وهذا هو عمر بن الخطاب وشارب الخمر، وسير الصحابة في قضايا المجتمع لا حدود لها.
وإذا كان القرآن الكريم المرجع فكيف نخالفه، ونتجسس، ثم نداهم البيوت بدون إذن أصحابها، ونفضح المستور ونغالي في التشدد واستغلال السلطة الربانية ثم سلطة الدولة، كيف نسينا "من ستر مسلم ستره الله في الدنيا والآخرة" اتقوا الله في أعراض المسلمين.
إن الملاحظ هو صراع بين فئات المجتمع التي يجيشها أطراف الصراع سواء كانت هيئة الأمر أو الإعلام الذي يرد على ممارسات الهيئة، وكل يستغل وضعه لمواجهة الطرف الآخر والمجتمع والإسلام ضحايا صراع سوف ينقلب بدلا من المعروف إلى منكر من الطرفين، وتصيد الأخطاء ووضع الكمائن للناس والإيقاع بهم ليست من الإسلام في شيء. وهناك سلطة للدولة هي المسؤولة عن الجميع، وأطالب في هذا الظرف الحرج للغاية منع الطرفين من التمادي في هذه الخصومة التي تنعكس سلبا على الأمن وعلى الوحدة الوطنية.
الجميع في هذه البلاد مسلم موحد وإن خالف، ولا يحتاج الأمر للتهويل على المجتمع بالمنكرات والمخالفات وتجريمهم وكسر كرامتهم وتعريتهم أمام العالم، وتحويل مجتمعنا إلى مجتمع يتهم بأنه مجتمع إما يفرخ الإرهاب أو يمارس الرذائل، بلد فيه قبلة المسلمين ومسجد رسول الله، وفيه نزل القرآن الكريم، ومنه خرج الإسلام إلى العالم، يقدم اليوم للأطفال والأسر والمجتمع والعالم على أنه مجتمع مشحون بالمخالفات الشرعية وأنه في انتكاسة أخلاقية، وبعد أن كان الناس ينظرون إلى الدين على أنه هو مصدر الرحمة والعدالة والستر والتآخي والصدقة والمعروف والأخوة، تحول في نظر الكثير من الناس إلى مجتمع منكر يطارد أفراده في البيوت والشوارع والأسواق والمستشفيات.
هذه هي الصورة التي يشعر بها المواطن حيث يرى أن بعض عناصر الهيئة هيجت المجتمع واستعدت من لا يوافقهما أو يزين لهما ممارساتهما التي انحصرت فقط في ملاحقة الناس وتتبع مخالفاتهم التي هي نتيجة عكسية للتناقضات التي يعيشها المجتمع بجميع شرائحه بعد أن أصبح الإعلام والمعلومة في داخل كل هاتف تنقل له جميع الموبقات والمعلومات من مختلف قطاع الأرض.
وهذه نتيجة طبيعية لغياب أنظمة واضحة ودقيقة تحدد المخالفات والعقوبات والجهات المعنية بإيقاع تلك العقوبات. بدلا من الصراع حول الأعراض والسلوكيات، وهي جزء بسيط من المشكلة العامة ممثلة بضياع الأخلاق وسقوط منظومة القيم من الصدق والأمانة والاحترام والتقدير والتآخي وغيرها من القيم. وهي نتيجة الانفتاح على العالم بدون قوانين أو أنظمة يرجع إليها الجميع للبحث عن العدالة ومحاسبة النفس قبل الوقوع في المخالفات.
لقد أصبح بعض عناصر الهيئة يلاحقون الناس فأصبح الدين بسبب سياستهم وممارستهم متهما باستباحة أعراض الناس وبتعريض حياتهم للخطر، وبشكل يتنافى مع أبسط مبادئ الدين الإسلامي الحنيف، حتى أصبح هناك من ينظر للدين بعدم احترام لأنه نظر إليه من خلال ممارسة بعض منسوبي الهيئة وتقديمها للدين وهي تفتقر للحكمة والموعظة الحسنة والذكاء في استيعاب المجتمع واستصلاحه وتعزيز الوحدة الوطنية وجمع الناس ومعالجة مشاكلهم بدلا من خلق المشاكل لهم وابتلائهم وفضحهم وهتك كرامتهم وأعراضهم.
هناك تذمر كبير من بعض منسوبي الهيئة ومن ممارساتهم وسوف ينعكس ذلك سلبا على فهم الناس للدين وعلى علاقتهم بكل ما يتصل بالدين من أفراد أو مؤسسات. وصدق القائل سبحانه وتعالى "ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر".
إن تأجيج الناس واستفزازهم يعد دعما للخارج وتأليبا على الدولة وأبناء الوطن الواحد الذين يجمعهم الدين واللغة والوطن، بل إنه يعزز السياسات والعداوات والكراهية التي تجتاح العالم ضد الإسلام والمسلمين. ولهذا فإن صورة مجتمع القرآن ممن يدعي أنه يتخلق بخلق الرسول صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح أمام العالم على عكس ذلك نتيجة الصراع والانفلات والفوضى لأنهم لا يتخلقون بخلق الدين الذي يزايدون به على العالم ويدعون الناس إليه، وهم أكثر من يخالف الدين في التسامح والعدالة والمساواة ومحاربة العنصرية والتمييز بين أبناء الوطن والدين الواحد.
اليوم يجب أن نكون أكثر حكمة وأن نضرب أروع الأمثلة في التسامح والصفح والستر والعفو وغض البصر والدعوة بالكلمة الطيبة والنصيحة بما يعود بالخير على الناس ويعزز ثقتهم بدينهم وبالمؤسسات الدينية ومن ينتسب إليها من عاملين في خدمة الدين. إن مداهمة الشرطة بدون هيئة الأمر للأماكن المشبوهة لا يعرض الدين للإساءة لأنها تتعامل بشكل أمني، أما الهيئة فينظر إليها على أن الدين هو الذي دفعها إلى الاعتداء على الحرمات، ولهذا نتمنى على الهيئة وعلى المحبين لها أن يفكروا جيدا في ديننا وفي مجتمعنا وفي سمعتنا الدينية كأفراد ومجتمع ودولة أمام الله ثم أنفسنا والعالم.