إذا كانت الحكمة تقول إن وظيفة المثقف أن يحلم، ووظيفة السياسي تحقيق الحلم فإن الكاتب والصحفي محمد حسنين هيكل جمع بين وظائف عديدة فكان المثقف والسياسي والصحفي الذي لم يكن يحلم بقدر ما كان صاحب الرأي المؤثر، بل وأكثر من هذا، حيث أضاف لهذا التنوع الفكري أنه بالفعل استحق أن يكون من أهم الصحفيين الكتاب في الوطن العربي، وحين يقال صحفي مثقف فهذا يعني أنه ذلك المتمكن من أدواته المعرفية بحيث تجعل منه قادرا على أن يخوض في بحور السياسة والثقافة ولا يكتفي بهذ،ا بل يصنع الرأي العام ويؤثر فيه.

حسنين هيكل كان كل هذا وأكثر ويشهد له ما تركه من إرث صحافي فقد قام بحوارات ثرية مع أهم الرموز السياسية والثقافية والفكرية، وصدرت هذه المحاورات في كتابه "زيارة جديدة للتاريخ"، أجراها مع عالم الفيزياء ألبرت أينشتاين، والقائد البريطاني الفيلد مارشال برنارد مونتجمري، والزعيم الهندي جواهر لال نهرو.

التزم محمد حسنين هيكل لسنوات طويلة بمبادئه التي آمن بها واستمر في نشر كل ما يمس قضايا الأمة والوطن، وكان وطنيا وإنسانيا وقوميا، وبرحيله فقدت الصحافة العربية رمزا من رموزها الذي كان شاهد عصر بالمعنى الحقيقي، فأثرى الصحافة بالتحليل الصحفي السياسي والثقافي والتاريخي، وأخذ القارئ والمتلقي ورجل الشارع إلى محطات تاريخية مهمة.

السياسة ليست فقط تدار في كواليس السياسيين، بل حتى في أروقة الأدب والفكر يكون لها السبق والاهتمام، وهيكل كان عرّاب هذه المرحلة التي جعلت من الثقافة حاضنا للسياسة والتاريخ، خاصة أننا نعيش في مجتمعات تتطلع بتعطش كبير إلى الرأي الآخر والحريات والبحث عن نور في نفق الاستلاب الثقافي والسياسي وصناعة التاريخ المزيف.

إن أسوأ ما يقدمه التاريخ للمناضلين الحقيقيين على مستوى الفكر والكلمة هو أن ينال من قيمتهم الأدبية ويشوهها بالتصنيف أو الانحياز، وإن كان هيكل انحاز لمرحلة ما فإن الأحداث وحدها كانت قادرة على أن تكشف حقيقة كل مرحلة وليس حسنين هيكل في كل هذا إلا شاهد عصر وصاحب رأي والعصور تتغير والأنظمة تتقلب ولسنا نعاقب من عاصر المرحلة وآمن بها ولهذا نال منه الذين خالفوا هيكل التوجه والرأي وهذا ليس بغريب لأن الجموع ألفت النمذجة والاتباع وليس التفرد، خاصة في عالمي الصحافة والسياسة، والمتفرد دوما يجد المقاومة والمعارضة، والآن رحل هيكل وترجل وترك لكم منبر التاريخ والصحافة شارعا مباحا للكتابة، هذا المنبر لمن أراد ولكن من يستطيع أن يكون محمد حسنين هيكل بذاته.