منذ توحيدها على يد الملك المؤسس، عبدالعزيز آل سعود -طيب الله ثراه- امتازت المملكة العربية السعودية بتغلغل مفهوم الوحدة الوطنية بين مواطنيها، وتلاحمهم وتعاضدهم، على اختلاف انتماءاتهم ومناطقهم وثقافاتهم.
وإذا كانت عناصر الوحدة الوطنية تنطوي تحت التعريف القائل بأنها "اتفاق مجموعة من البشر، في الدين، والأصل، والتاريخ الواحد، والمصير المشترك، تحت قيادة سياسية موحدة"، فإن ذلك متوفر في المملكة، إضافة إلى العناصر التي تحفظ تلك الوحدة، وتؤدي إلى استمرارها وديمومتها، بغض النظر عن الاختلافات الجغرافية والعرقية والفكرية، طالما أنها تمارس وفق الحدود التي أقرها القانون، ورسمتها اللوائح والأنظمة، وتراعي في نفس الوقت مصلحة الوطن وتقدمها على ما سواها.
ومما ساعد على تعميق مفاهيم الوحدة الوطنية في بلادنا السياسة التي اتبعها قادة هذه البلاد الذين لم ينفصلوا عن مواطنيهم، فتواصلوا معهم في كافة مستويات الحكم، وسارعوا إلى إنصاف المظلوم، ونصرة الضعيف، عبر سياسة موحّدة شعارها الباب المفتوح. لذلك فإن بلدا بهذه الصفات، جدير بالحب والإيثار، يستحق أن تقدم له النفوس فداء، وأن يسارع أبناؤه إلى حمايته وضمان وحدته.
وليس خافيا أن التطورات العالمية، وما تشهده المنطقة العربية من أحداث، وما تعانيه من اضطرابات، وما تمارسه بعض دول الجوار من سياسات طائفية، تسببت في ظهور مظاهر سالبة، وارتفعت أصوات نشاز تدعو للفتنة والفرقة ورفض الآخر، ومن هذا المنطلق أبدى معظم المفكرين والمثقفين والمواطنين رفضهم القاطع لصور الحض على الكراهية التي بدأت تظهر هنا وهناك، من تيارات معلومة الأهداف، اتخذت التطرف فكرة، والتشدد وسيلة، والكراهية شعارا، ولم تراع قيمة التنوع والاختلاف، وحق أي مواطن في أن يستخدم هبة العقل في التفكير والاختيار، طالما أن كل هذا الحراك العقلي والسلوكي محكوم في إطار القانون، ومقيَّد بالضوابط المرعية.
وإذا كان غيرنا لا يزال يعيش في عقلية القرون الوسطى، ولا يدخر جهدا في سبيل إحياء نعرات عرقية وطائفية، بغرض تحقيق أهدافه، واللعب على ثوابت مجتمعنا الراسخة، فما أحوجنا إلى أن نقوم بجهد مضاد نصون فيه بلادنا ونحافظ على مكتسباتنا. ونوصل عبره رسالة إلى الداخل قبل الخارج، بأن ثوابتنا خط أحمر، لا سبيل للمساس بها أو تجاوزها.
لذلك تقدم بعض الحقوقيين والمثقفين بمشاريع قوانين لحماية وصيانة الوحدة الوطنية من المهددات التي قد تحيق بها، تطبيقا لمقررات المادة الـ12 من النظام الأساسي للحكم، التي تنص على وجوب تعزيز الوحدة الوطنية، ونبذ كل ما يقود للفرقة والفتنة والانقسام، واستباقا لما يمكن أن تقود إليه ثقافة الكراهية، إن انتشرت، والرؤية الأحادية، إذا عمّت. وتضمنت تلك القوانين تعريف مفهوم الوحدة الوطنية، وتحديد الآليات التي ينبغي استخدامها، والسبل التي يمكن اتخاذها لتعميق هذه المفاهيم النبيلة، التي باتت حاجة ملحة، يستلزمها الحرص على بقاء هذا الوطن. إلا أن تلك القوانين التي طرحت تحت قبة مجلس الشورى لم تجد طريقها للنور، وتم تجاهلها لأسباب غير معلومة، رغم أنها تمثِّل حاجة ملحة.
وبالنسبة للمرحلة التي يمر بها الوطن، وما نشهده من أعمال إرهابية، فإن الحاجة تقتضي أن يعيد المجلس الموقر طرح تلك القوانين إلى النقاش مرة أخرى، وإعادة دراستها على ضوء المستجدات التي تشهدها البلاد، وتزايد التحديات التي تهدد النسيج الاجتماعي، لاتخاذ إجراءات تدرأ الفتنة وتصون الوحدة، فهذا الوطن الذي نعيشه ويجري في شراييننا يستحق أن نتجاوز قناعاتنا الشخصية، ورؤانا الضيقة، وأن ننصهر في بوتقة واحدة، وأن نترك تلك الأوهام التي ما زالت تعشعش في أذهان البعض، ونقدم كل ما نستطيعه لأجل رقيه ونهضته وتقدمه بين الأمم.