في حين يركز الإسرائيليون على العنف النابع من الضفة الغربية والقدس الشرقية، فإن "حماس" تستعد بهدوء من أجل جولتها الخاصة المقبلة من القتال. وهي تقوم بإعادة بناء شبكة من الأنفاق في الوقت الذي تقوم بإعادة بناء ترسانتها الصاروخية وتحسين قدراتها الاستخباراتية.
وتحاول "حماس" التأكد من قدرتها على التوغل بشكل أعمق داخل إسرائيل خلال أي حرب قادمة، فهي تعمل تقريبا على مدار الساعة من أجل حفر وتقوية متاهة تقع على عمق يصل إلى 100 قدم تحت الأرض.
وبالنسبة لإسرائيل، فإن التهديدات التقليدية من قبل "حماس" و"حزب الله" قد تمثل مشاكل أكبر، ولكن الحرب مع "حماس" هي أكثر هذه التهديدات قابلية للاشتعال، وبالتالي يبدو أن الحرب القادمة لا مفر منها، وهي مسألة وقت، ليس أكثر، على الأقل بحكم الأمر الواقع، على الطريقة التي ناقشها بعض السياسيين مثل زعيم حزب "هناك مستقبل"، يائير لبيد.
وغني عن القول إن حربا أخرى ستجلب معها عددا كبيرا من الضحايا المدنيين بشكل مأساوي بالنسبة إلى الفلسطينيين، نظرا لتشعب وجود "حماس" في المناطق المدنية. ومن المؤكد أن الحرب لن تكون بمنأى عن الجانب الإسرائيلي أيضا، ولذا ينبغي أن توجه إسرائيل طاقتها إلى تجنبها.
ظهور "حماس" مرة أخرى في طليعة الكفاح ضد إسرائيل في قطاع غزة سيسفر عن زيادة شعبية "حماس" على حساب السلطة الفلسطينية، ومن الممكن أن تؤدي إلى سيناريو كارثي بالنسبة لإسرائيل عبر الانهيار التام للسلطة الفلسطينية.
وإن الأضرار التي يمكن أن تلحق بإسرائيل في هذا السيناريو ليست مجرد مبالغات، نظرا لأن السمة المميزة للعقد الماضي من الهدوء النسبي كانت هي التنسيق الأمني المشترك بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وهو أمر لا يحظى بتأييد كبير داخل الجمهور الفلسطيني.
وقرار "حماس" بخوض الحرب ضد إسرائيل يستجيب لاثنين من الضغوط المختلفة. الأول يأتي من الجماعات "الأكثر تطرفا" الجهادية في غزة، مثل حركة الجهاد الإسلامي والمجموعات التابعة لتنظيمي القاعدة و"داعش"، والتي تدأب على تشويه سمعة "حماس" على أنها ضعيفة الإرادة وغير راغبة في مقاومة إسرائيل. والثاني يأتي من الجمهور، الذي، كما هو موضح في الاستطلاع الرقمي، لا يرى أي أفق للتحسن في المستويات بالغة السوء للحياة اليومية في غزة، ويدعم المقاومة المسلحة باعتباره السبيل الممكن الوحيد للخروج. وخوض المعركة على هاتين الجبهتين هو أمر صعب، ويمكنه أن يترك "حماس" بلا أي خيار سوى شن الحرب، سواء كانت تريد تأجيلها أم لا ترد.
سيكون من الأسهل بالنسبة إلى "حماس" التعامل مع خط الجماعات الأكثر تطرفا إذا تم تخفيف معاناة الشعب إلى حد ما. ولذا فإن المفتاح لتجنب حرب أخرى في قطاع غزة لا بد أن يكون عبر تقديم متنفس للفلسطينيين في غزة، مما يصعب على "حماس" مهمة توجيه ضربات داخل إسرائيل. حتى إذا كانت هذه العملية من شأنها أن تخلق مجموعة من المشاكل الأمنية، فإن نتيجتها أفضل بكثير من المخاطرة باندلاع حرب جديدة في غزة.