من قبل أن يكون الدكتور أحمد العيسى وزيرا للتعليم، كانت هاشتاقات مبتعثي بريطانيا في "تويتر" التي تشير للوزراء لا تتوقف، وهي هاشتاقات مليئة بما يفترض ألا يتجاهلها المسؤول أبدا، فإن كانت كيدية يعاقب من وضعها، وإن كان خلفها حقيقة، فمن غير المنطقي أن يتم تجاهلها.
تردني غير الهاشتاقات رسائل من طلبة وطالبات تشكو ملحقية لندن، وغالبا نصيحتي لهم تكون بأن يذهب المبتعث بنفسه إلى الملحقية، ويجلس أمام المشرف ويشرح له، لأن نظام سفير لم يفلح عن تجربة معي، فعندما ترفض معاملتي أشد بها الرحال إلى الملحقية، والتي كانت تبعد عن بيتي ساعة، والآن سأكون على بعد 5 دقائق منهم وهذا خبر ولا شك غير جيد لهم، لكن عليهم تحمل نتاج عدم ردهم على الهاتف، ورفض المعاملات دون تدقيق.
في الأيام الماضية، ولأني لا أدخل "تويتر" إلا في إجازة الأسبوع، وجدت كمّا هائلا من رسائل زملاء وزميلات، تستصرخ قلمي للكتابة عن قضية إيقاف التأمين الطبي، فقمت بالاستفسار، فوصلني أن الموضوع بين يدي معالي وزير التعليم.
في الواقع، لا نعرف كيف شُرح لمعاليه الوضع في بريطانيا، والخدمات الصحية فيه، وقوانين الفيزا، أو مشكلات الملحقية المالية والهدر وغيره، لكني سأتجاهل هذا كله، وأشرح لمعاليه بعضا مما وصلني وما أراه كطالبة مبتعثة لدي خبرة إلى حد ما بالقوانين والوضع في بريطانيا.
بالنسبة إلى وضعنا كطلاب مع أسرهم -وبحسب مقياس الحياة في بريطانيا وبحسب دخل الطالب المبتعث رب الأسرة خاصة- نعيش تحت خط الفقر ولك أن تقارن بين الأرقام لتتثبت. أضف إلى ذلك أن القانون البريطاني يجد طريقة للحصول على ضريبة منك غير مبال بدخلك، إذ يدفع طلاب فيزة "الاستودنت فيزتر" ضريبة المنزل، وتصل إلى 200 باوند شهريا، إذا كان ضمانه أقل من 44 أسبوعا، والملحقية تعطي ضمانا 12 أسبوعا، ويتم التجديد.
كذلك الوقت الذي تتوقف فيه من الدراسة، يتطلب منك دفع ضريبة غير التي أنت ملزم بدفعها من ضرائب على الماء والطريق والسيارة وما تشاهده حتى في التلفزيون.
وبعد كل الذي في الأعلى، يصلنا أن التأمين الطبي ربما يتوقف!
نحن نعلم ظروف الميزانية، ونقف معها تماما، لكن هناك ألف طريقة لإلغاء الهدر وتجاوزه دون المساس بحقنا في رعاية طبية جيدة، خصوصا أننا كبالغين لا يحق لنا العلاج المجاني، كما أن الحكومة البريطانية وتأمينها الطبي لا يوفران كثيرا من احتياجاتنا بالمجان، خصوصا لمن يعاني من حالات تتطلب رؤية الطبيب بصورة عاجلة، أو من يحتاج إلى علاج النظر أو الأسنان، وكلاهما غير مشمول بالتأمين البريطاني.
أضف، أن مقابلة طبيب في المستشفيات البريطانية هو ترف لا يمكن إلا في أضيق الحدود، وليس لكل الحالات.
كما أن هنالك أمر آخر، نحن شئنا أم أبينا نتعرض يوميا للعنصرية في بريطانيا كمسلمين وعرب، وكل حالة طبية -خاصة الأطفال- تجر كثيرا من الشكوك، بل استدعاء البوليس، عكس المستشفيات الخاصة التي يغلب عليها الكادر الطبي العربي والمتفهم غالبا.
هناك أمر أيضا ربما لم تتم الإشارة إليه، وهو أن الطلاب يأتون بـ"فيز" مختلفة، وبعضهم لا يشمله التأمين المسمى NHS، إذا كان مبلغ التأمين يسبب مشكلة في تحقيقه، فأظن أنها لا بد أن تفكر في طريقة أخرى مثل إيقاف أنشطتها التي، حسبما ذُكر في "تويتر"، كلف آخرها وهو مؤتمر الطلبة 10 ملايين، ونسبة الحضور كما شاهدنا بالصور كانت قليلة، وهؤلاء القلة ربما كانوا ذوي المشاركين، فالطلاب الباحثين عن المنافسة الحقيقية والاستفادة العلمية يشاركون في مؤتمرات تعترف بها جامعاتهم، وهي أكثر من 100 مؤتمر في بريطانيا وحدها، فما الحاجة ليتسابق السعودي مع السعودي في بريطانيا، وتدفع الدولة 10 ملايين لذلك، بل لو أردتم أن تضحكوا فسأخبركم أن أحد الفائزين كتب في "تويتر" أن من حكم بحثه هي موظفة في الملحقية!، فهل هناك أسوء من ذلك؟!
أيضا، فإن أعداد موظفي الملحقية تثير التساؤل، فمن يعمل وله تخاطبات كما نرى نحن الطلاب هم الموظفون العرب، فما الذي يفعله كل هذا الجيش من الموفدين، خصوصا أنهم ليسوا من مثقفي المملكة بحيث نستفيد منهم في الأنشطة الثقافية، وتعميق الصلات بيننا وبين مثقفي بريطانيا.
كما أن أعداد الطلبة لم تعد كما كانت في السابق، فما الحاجة إلى كل هؤلاء المشرفين، ولماذا لا تخفض أعدادهم حتى تستطيع الملحقية دفع تأمين الطلاب!
أخيرا، فإن مبلغ التأمين ليس كبيرا جدا، ومن المؤسف أن يكون موضع نقاش، وهو يتعلق بصحة وعافية شباب المملكة، ومستقبلهم وأطفالهم في بلد غريب وبعيد عن وطنهم وعزوتهم.