فلاح القحطاني
عند دراسة ظاهرة التطرف والتشدد الديني، نتجاهل كثيراً من أسباب هذه الظاهرة، فنحوم حول الحمى دون أن نشخص الداء تشخيصاً إكلينيكياً صحيحاً وشاملاً، إما تقليلاً من تأثير هذه الأسباب أو خوفاً من ردة فعل المجتمع، انسياقاً أو انسجاماً مع لغة القطيع أو البرمجة الاجتماعية.
فكثير من الحقائق العلمية تؤكد أن التطرف منبعه النظرة الخاطئة للحياة، ونحن نتعامل بأسلوب تربية خاطئ يخالف جميع سنن الحياة، فنربط بين ما هو ديني وما هو دنيوي صرف لا علاقة له بالدين إلا في بعض الجزئيات التي اختلف حولها ولم تثبت فيها قطعية بتحريم أو تحليل، ونحيل كل ما يعد من أمور الدنيا التي أعطانا الله سعة في التعامل معها (أنتم أعلم بأمور دنياكم) إلى الدين أو إلى العادات التي اكتسبت قدسية الدين.
فبعضنا يربي أبناءه على التشدد منذ نعومة أظفارهم ثم نستغرب تطرفهم في مرحلة الشباب والمراهقة!
وتعليم التطرف ليس بالضرورة أن يكون بالنقل والتلقين أو بالمحاكاة والتقليد، فهذه أمور مفروغ منها، لكنه قد يكون من خلال المبالغة والخوف من كل جديد ثبت علمياً مدى فائدته للناس، ولكن نظرتنا القاصرة حالت دون قبوله بحجة فساد الأخلاق والخوف على المجتمع من المجهول مما أخر وفوت علينا كثيراً من الفرص للانعتاق من أجواء التخلف والرجعية، حيث إن التردد وإضاعة الوقت في التفكير بالقبول أو الرفض يجعل القطار يتجاوزنا بمراحل دون أن يتوقف للحاق به.
فإذا رجعنا إلى الوراء سنجد أمثلة كثيرة على فوبيا الخوف التي تكبل عقولنا وتجعلنا نعيش في دائرة التوجس والأمراض النفسية، ومن ذلك تحريمنا لكل ما يبعث الأمل والبهجة والسعادة في النفوس وييسر على الإنسان مصاعب ومتاعب الحياة الكثيرة التي تحيط به من كل جانب، خاصة أننا نعيش في بيئة صحراوية قاحلة طاردة للحياة، فقيرة في مواردها الطبيعية، لا يوجد فيها ما يبعث على انشراح النفس وسكونها، ثم يأتي من يضيق على الناس ولا يراعي الأحوال والأزمان والبيئة فيحرم عليهم متع الحياة ويجنح إلى القول الذي يحرم أكثر من جنوحه إلى الأقوال التي فيها فسحة عريضة من التسامح.
فمحاربة الفن بأنواعه المختلفة والتي هي من منتجات العقل المبدع المنعتق من كهوف التخلف والرجعية من أمثلة التطرف في القول والتضييق على الناس فيما فيه سعة واختلاف يكاد يميل إلى ترجيح التحليل.
إن الفن الراقي له تأثير إيجابي على التربية النفسية للطفل، فالفن يخاطب عقل الإنسان ووجدانه ويهذب النفس ويسمو بالروح من خلال ما يزخر به من لغة جمالية تخاطب كل الأطياف.
بل إنه يحرر العقل ويطلق الطاقات الكامنة في تلافيف العقول المبدعة، ولا يمكن أن تجد مجتمعاً يؤمن بقيمة الفن وتجد أفراده متجهمين أو متخلفين، فهو يرتقي بذائقة الشعوب، سواء أكان موسيقى أو رسماً أو شعراً أو كتابة أو مسرحا، ويعلمها التعبير عن أفكارها بطرق حضارية رائعة ويحمي أفراد المجتمع من أن يكونوا صيداً سهلاً للمتطرفين وأعداء الحياة، فالفنون كما يقول الفيلسوف الألماني هيجل "تساعد الإنسان على تحقيق إنسانيته".
إن الاهتمام بالتنشئة السليمة، وإشباع الجوانب المادية والروحية للإنسان، وتوفير مقومات الصحة النفسية للفرد كفيلة بحمايته من أن يكون أرضاً خصبة للتطرف والتعصب، لأن هذا هو السبيل الوحيد لمجتمع متزن خال من الأمراض القاتلة.