عندما يصدر تصريح حاد من شخصية بارزة فلابد أن يجد الكاتب نفسه مدفوعاً للتأمل والتعليق.. والأمير الوليد بن طلال ليس فقط شخصية بارزة بل هو نار على علم، وقد أطلق منذ عدة أيام تصريحاً نارياً عن عقارات دبي نقله موقع أرقام، وعلى غير عادته لم يوثق الموقع لنقله، لكن جرت العادة على أن الموقع لا ينقل إلا بعد أن يتأكد من صحة النقل وموثوقية المصدر، وهذا ليس إعفاء للموقع من عدم ذكر مصادره، فقد كان المفروض أن يفعل ذلك.

الأمير الوليد شخصية كبيرة لها وزنها الكبير والمفروض أن يكون لها اتزانها الكبير أيضاً، ولذلك فقد لفت نظري بحدة تصريحه، ولذلك أجزت لنفسي مناقشته.

يقول موقع أرقام إن الأمير الوليد ((حذَّر من أن يواجه سوق العقارات بدبي مزيداً من التراجعات الحادة، ومن استغراقه أعواماً عديدة لبلوغه القاع واستقراره)).

ولم يكتف الأمير الوليد بهذه الكلمات النارية بل أضاف مبرراً ((أنه لابد من تراجع الأسعار بشكل كبير كي يتوازن العرض والطلب)).

ويبدو أن الأمير الوليد لم يعتبر العرض والطلب هو المبرر الأقوى لرأيه، أو أنه أراد تقليل تراجع الطلب وكثرة العرض فتحدث عن سبب آخر يبرر ما قاله، إذ أضاف الموقع القول ((ويعتقد الأمير أن الاقتصاد العالمي لايزال في مرحلة الركود)) و((أن التعافي عبارة عن تعافٍ تقني، وأن الواقع غير ذلك)) وورد في الموقع أيضاً أن الأمير وصف الاقتصاد العالمي بـ((المريض الخارج من العناية المركزة، فهو قد تعافى من مرضه غير أنه يحتاج لفترة نقاهة)) واختتم الموقع نقله لقول الأمير الوليد ((إن البطالة في أوروبا تعادل حالياً 8% وفي أمريكا 9% وبالتالي لا يمكن القول إن الأمور على ما يرام)).

إذن يفهم مما نقله موقع أرقام أن استفاضة الأمير الوليد في الحديث عن ضعف الاقتصاد العالمي وكونه ليس على ما يرام هي لتبرير رأيه الحاد في عقارات دبي وللخلل الكبير بين العرض والطلب، ولو أن الأمير قد اكتفى بالقول إن عقارات دبي ستواجه المزيد من التراجع لكان هذا أمراً عادياً قاله آخرون وقال آخرون عكسه، ولكنه لم يكتف بذلك بل قال إن تلك التراجعات التي ستواجهها عقارات دبي ستكون حادة. كما أنه لو اكتفى بالقول إن التراجعات لم تصل إلى القاع بعد فإن هذا يعتبر رأياً مقبولاً قال كثيرون غيره وقال آخرون عكسه، ولكنه لم يكتف بهذا بل قال إن السوق العقاري في دبي سيظل أعواماً عديدة يتراجع، وهو لم يحدد عدد تلك الأعوام لكنها عديدة كما قال، وإذا أدركنا أن ذلك السوق العقاري تراجع الآن بما يقارب 60% فكم ستصل نسبة التراجع يا ترى بعد تلك الأعوام العديدة التي حددها الأمير الوليد وبعد تلك التراجعات الحادة الإضافية التي أكدها..؟؟

إن أهم مبررات الأمير الوليد في رأيه ضعف الاقتصاد العالمي، وضعف الاقتصاد العالمي أثر بلاشك على جميع عقارات الدنيا بما فيها دبي وعقارات المملكة في مدينة الملك عبدالله الاقتصادية وغيرها، ومن المفروض أن يكون تأثيره الأقوى على العقارات الفاخرة مثل برج دبي وغيره من ناطحات السحاب العملاقة، ولذلك قد يأتي من يقول للأمير الوليد طالما أن هذا رأيك الذي بلغ فيه التشاؤم إلى هذا الحد فلماذا تقدم على إقامة ناطحة السحاب في جدة التي ستكون كما نقلت وسائل الإعلام أعلى من برج دبي..؟؟

الأمير الوليد شخصية فذة، وتعجبني قدرته الفائقة على اتخاذ القرارات الصعبة في الظروف الصعبة، كما أني معجب بصلابته وقوته وجلده في الملمات، وهو شخصية اقتصادية عالمية كبيرة يفترض أن لها رؤاها المتزنة.. ولأن هذا رأيي فيه، فقد لفت نظري تصريحه، وهو بلاشك قد يكون صادقاً مع نفسه فيما قاله، أي منطلقاً من الإحساس بمسؤوليته وواجبه الذي يحتم عليه توعية السوق المحلي والإقليمي والعالمي، ولكن إحساسه هذا قد لا ينفي أن هناك كثيرين قد يرون فيما قاله تعارضاً صارخاً مع مشروعه في جدة، وقد يرى آخرون أن ما قاله هو من باب الحرب الاقتصادية التي يلجأ لها الاقتصاديون أحياناً لغايات عديدة.

والأهم من كل هذا أن كثيرين ممن سمعوا وقرؤوا تصريحات حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد في معرض (ستي سكيب) في دبي، منذ عدة أسابيع، التي أكد فيها أن الأمور قد استقرت في دبي، وأنها قد خرجت من أزمتها، بل وبالغ قائلاً إنها رجعت لسابق عهدها.. أقول إن كثيرين ممن قرؤوا تصريح الاثنين قد يقعون في حيرة شديدة، ولا يدرون من يصدقون.. الشيخ محمد بن راشد أم الأمير الوليد بن طلال..؟؟