لا يفعل التقرير الذي نشرته صحيفة اللوموند الفرنسية أخيرا سوى تأكيد المؤكد، فكل متابع للحرب السورية يعرف أن هناك الآلاف من المرتزقة الأفغان يقاتلون إلى جانب النظام السوري، وهم يتقدمون الصفوف في الجبهات المتعددة، لكن أهمية التقرير ولأنه منشور في صحيفة رصينة كـ"اللوموند" أنه يوثق بشكل لا لبس فيه هذا التواجد، ويسنده إلى مصادر موثوقة، والأهمية الأخرى أنه يقدم تفاصيل حول أعداد هؤلاء المقاتلين (يقدرهم بين عشرة آلاف وعشرين ألفاً) وحول الظروف التي تم فيها جلبهم إلى سورية.
فهم من "الهزارة" الأفغان وهي طائفة دينية صغيرة تنتمي للطوائف الشيعية، وإن كانت عقيدتها لا تتطابق تماماً مع شيعة إيران، وهؤلاء فرَوا إلى إيران في مراحل مختلفة من الحرب الأفغانية، وعاشوا فيها دون أن تتم تسوية وضعهم القانوني، وبظروف أقل ما يقال فيها إنها غير إنسانية.
ولما دخلت إيران الحرب السورية بشكل مباشر، بعد فترة قصيرة من اندلاع الثورة السورية، عمدت إلى تجنيد الشبان من هذه الأقلية باستخدام وسيلتين، التهديد بترحيلهم وترحيل عائلاتهم إلى أفغانستان، حيث سيكون مصيرهم الموت هناك، وبترغيبهم بالمال وبمنحهم حق الإقامة النظامية في إيران.
قد تم تجميع المقاتلين الشيعة الأفغان في سورية في لواء يدعى "فاطميون"، وتم إقناعهم بأنهم يدافعون عن الأضرحة المقدسة هناك، وأنهم يمنعون تدنيس أضرحة نساء آل البيت، وقد رآهم السوريون في كل المناطق التي يجري فيها القتال، وهناك الكثير من الشهادات الموثقة والصور التي تثبت الأعداد الكبيرة لهؤلاء المرتزقة وانخراطهم في القتال.
وجاء في التقرير الذي نشرته اللوموند أن قائد لواء فاطميون، علي رضا توسلي، الملقب أبوحامد، قتل في مارس 2015، قرب درعا في جنوب سورية وكان زعيم الحرب أظهر بالفعل إخلاصه للجمهورية الإسلامية التي تقاتل جنبا إلى جنب مع الإيرانيين خلال الحرب ضد العراق وتظهر بعض الصور "أبوحامد" يرافقه قاسم سليماني، قائد لواء القدس.
اعتمدت الصحيفة في تقريرها على شهادات من فارين من هؤلاء وصلوا إلى أوروبا، وقدموا شهاداتهم حول الضغوط التي يتعرض لها أقاربهم للقتال في سورية، والاستهتار الذي تعامل به الحكومة الإيرانية أرواح هؤلاء، فبعد تسجيلهم في مكاتب التطوع الموجودة في طهران ومدن إيرانية أخرى، يخضع المقاتلون لتدريب أولي بسيط لا يزيد عن عشرين يوماً، يتم بعده تحميلهم في الطائرات وزجهم في الصفوف الأمامية على مختلف الجبهات، ليموتوا بالعشرات، ويتم خلال المعارك إقناعهم بأن ضريح السيدة زينب يقع في درعا أو في حلب أو في أي مكان يكونون فيه.
هؤلاء المقاتلون ليسوا سوى واحد من عشرات الفصائل التي تنتمي لعشرات الجنسيات التي تتقاتل في سورية، يحمل كل منها عقيدة مختلفة ووهماً مختلفاً، وتلتقي كلها بأن قادتها نسجوا لها وهماً مقدساً يقاتلون لأجله، وتلتقي أيضاً بأنها لا تعرف ما تفعل ومن تخدم.
فالمقاتل الأفغاني "الفاطمي" لا يختلف في العمق عن المقاتل الأفغاني "القاعدي" أو "الطالباني"، وكذلك المقاتل الشيشاني الذي ينتمي لداعش سيكون له نظير شيشاني ضمن القوات الروسية التي تقاتل في سورية، وبشكل أو بآخر لا يختلف كل هؤلاء عن المقاتل اللبناني أو العراقي المنتمي لحزبي الله هنا وهناك.
بالعودة لتقرير اللوموند قال أحد الذي التقتهم الصحيفة: "قالوا لنا إننا ذاهبون للدفاع عن ضريح السيدة زينب"، وفي تقرير نشرته الصحافة الألمانية قبل بضعة أشهر قال مقاتل تونسي سابق في داعش: "قالوا لنا إننا ذاهبون للدفاع عن نساء المسلمين اللواتي يتم انتهاك أعراضهن في سورية".
أي قراءة بسيطة لخطاب القوى المتقاتلة في سورية ستصل لتلمس التطابق التام بين هذه القوى، وكيف أن الطغاة يتشابهون في طريقتهم وتقنيتهم وأساليبهم، وأن البسطاء والسذج هم وقود الحروب المجنونة دون أن يعرفوا ما يفعلون.
في سورية اليوم عشرات الجنسيات التي تم نسج رواية لكل واحدة منها، رواية تكفي من يحملها ليموت وليقتل الآخرين، وليسهم في امتداد هذه المقتلة، وتبقى أسوأها وأقساها رواية النظام السوري الذي زج بأبناء شعبه الطيبين في أتون حرب بلا نهاية، موهماً إياهم بأن طفلة في حلب أو امرأة عجوز في درعا هي جماعة إرهابية مسلحة، ومهد الطريق ليأتي الأفغان ـ شيعة وسنة ـ ليتحاربوا على أرضه ويدمروها في طريقهم.