كثيراً ما لعبت المؤسسة العسكرية الباكستانية دوراً هاماً في السياسة الباكستانية. فمنذ ما يقرب من 70 عاماً، يقوم الجيش بتحديد أولويات الأمن القومي في البلاد، وأحيانًا فإنه يقوم بفعل ذلك من مقعد الحكومة نفسها، حيث تم وضع العديد من القادة في مناصب اقتصادية وسياسية بارزة. وتماشياً مع هذا التقليد، فقد عين رئيس الوزراء نواز شريف الجنرال رحيل شريف في منصب رئيس أركان الجيش، وهو المنصب الأكثر نفوذاً في البلاد في نوفمبر 2013. ولم يقُم الجنرال بإضاعة أي وقت من أجل كسب النفوذ في الشؤون الخارجية والدفاع في باكستان.
وعلى الرغم من النفوذ الكبير الذي غالباً ما يُحظى به قائد الجيش في البلاد، فإن القادة المدنيين مثل رئيس الوزراء يكتسبون قوة سياسية خاصة في الآونة الأخيرة، وهم يستخدمون الجيش من أجل تعزيز ازدهار مبادئهم الديموقراطية، ومن أجل تقليل احتمال وقوع انقلاب، إلا أن الجيش على الرغم من ذلك يسعى للحفاظ على مكانته في الاقتصاد والحكومة في الوقت الذي يستمر فيه في لعب دوره التاريخي باعتباره حامياً للبلاد.
ومع أن احتمالية حدوث انقلاب تبدو منخفضة، فإن هناك عوامل أخرى تشير إلى أن الجيش سيبقى قوياً سياسياً، بدءاً من المصالح الاقتصادية المكتسبة للجيش، حيث يسيطر الجيش على ثلث الصناعات الثقيلة في البلاد، ويمتلك أكثر من 20.7 مليار دولار من الأصول، بما في ذلك أكثر من 12 مليون فدان من الأراضي العامة، كما يُمثل الجيش أيضاً ممراً هاماً لمجموعة كبيرة من الضباط الحاليين والمتقاعدين للعمل في مجموعة واسعة من الصناعات، مثل البنوك، والصناعة، والزراعة، والتأمين. ويدير الجيش معظم أصوله الاقتصادية من خلال مؤسسات الرعاية الاجتماعية.
وإن حقيقة الإرهاب واحد من أكبر المشاكل التي تواجه باكستان، تخلق الحاجة إلى وجود نفوذ عسكري. ولذلك قام الجنرال شريف بمعالجة الجريمة المستوطنة في كراتشي، وفي ملاحقة مكافحة المتشددين خلال عملية "ضرب عضب" في وزيرستان، التي جعلت هجمات المتشددين في أدنى مستوياتها منذ ست سنوات، وبالتالي نجح الجنرال في اكتساب شعبية كبيرة.
ومن ناحية أخرى، أجرى نواز شريف محاولات في السعي إلى تعزيز العلاقات الدبلوماسية وعلاقات الطاقة والأمن والعلاقات التجارية مع نيودلهي، وفي نهاية المطاف إعادة توجيه صورة الهند محلياً بوصفها منافساً أكثر من كونها تهديداً وجودياً من أجل إزالة المبررات التي تكرس هيمنة الجيش. وفي الوقت الذي تسعى الولايات المتحدة لإدارة التمرد المتصاعد في أفغانستان، فإن الحفاوة في استقبال الجنرال شريف خلال زيارته غير الرسمية إلى واشنطن تشير إلى أهمية دور الجيش الباكستاني كشريك للولايات المتحدة في أفغانستان.
ويبدو أن مقامرة رئيس الوزراء نواز شريف قد أتت أكلها، حيث أعلن الجنرال رحيل شريف مؤخراً أنه سيتنحى عن منصبه كرئيس لأركان الجيش في نهاية فترة ولايته في نوفمبر عام 2016، رغم شعبيته الجارفة، مرسخاً سابقة ديموقراطية أخرى، وانتصاراً صغيراً للحُكم المدني. ولكن من السابق لأوانه القول ما إذا كان هناك تحول جوهري في "الديناميات" المدنية-العسكرية في باكستان. أما كيفية إدارة التوازنات بين الجنرالات ورئيس الوزراء فهو أمر حاسم بالنسبة لعلاقات باكستان مع الهند، ومن أجل التعامل مع تحديات الاستقرار الشامل في جنوب آسيا.