أكد كل من رئيس المجلس الأعلى للقضاء ووزير العدل وعدد من رؤساء المحاكم والقضاة في مناسبات مختلفة على أهمية مهنة المحاماة في المملكة وأنها تحظى باهتمام تمثل في نظام المحاماة ضمن الأنظمة العدلية الأخرى.
بل إن معالي وزير العدل الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى، يؤكد في أكثر من مناسبة على أهمية تعزيز دور المحاماة في المملكة وتأكيد القيم والمبادئ التي تأسست عليها، ويؤكد معاليه على ضرورة تمكين المحامي من أداء مهامه في المحاكم والمراجع القضائية والحقوقية بوصفه عنصراً أساسياً في المنظومة العدلية في العمل القضائي وتطوره.
كما يطالب عدد من أصحاب الفضيلة القضاة وكبار المسؤولين بوزارة العدل ومختلف الأجهزة الحقوقية والعدلية والأمنية بضرورة أن تقتصر المرافعة أمام المحاكم وديوان المظالم واللجان القضائية على المحامين لتطوير عمل القاضي والقضاء، وذلك لأنه ما زال هناك الكثير ممن يترافعون أمام المحاكم ليسوا محامين ولا يعرفون شيئاً عن المحاماة أو الأنظمة العدلية من حيث الإجراء أو الموضوع لجهلهم بالقانون، واعتبر عدد كبير من القضاة أن وجود المحامي يسهل عملهم عبر الإعداد الجيد لمرافعاته وإعداد المستندات المطلوبة وهو ما يوفر على القضاة الكثير من الوقت في النظر في القضايا المعروضة عليهم ويساعدهم للوصول إلى مبتغاهم في الحكم بالعدل.
كما أن الجهود التي بذلها المحامون أنفسهم من خلال لجان المحامين بالغرف ومجلسها الموقر أو بشخوصهم الكريمة في سبيل إعلاء شأن مهنتهم وتنظيمها كانت ذات أثر كبير في تعزيز سمعة مهنتهم ورفع مستوياتها.
ويتطلع المحامون إلى تعديل نظام المحاماة الحالي ليكون في مستوى طموحات وغايات وأهداف مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز _حفظه الله_ لتطوير مرفق القضاء وديوان المظالم، ويأمل المحامون إقرار هيئة للمحامين ليتمكنوا من إحداث نقلة نوعية ترتقي بالمهنة لمواجهة تحديات المرحلة المقبلة.
ولذلك كان رائعاً وجميلاً أن تؤكد وزارة العدل على أن تنظيم القضاء يشمل أيضاً تنظيم عمل المحاماة وضرورة إيقاف ممارسة الدخلاء على هذه المهنة، ولعل الإعلان عن انتهاء الربط الإلكتروني لجميع محاكم المملكة خلال عام سيكون له أثر إيجابي كبير في وقف جميع أساليب التحايل والتجاوز على استثناءات غير المحامين، لأن الربط الإلكتروني للمحاكم سيوقف هذه الممارسات السلبية في تجاوز نظام المحاماة والتعدي على حقوق المحامين بل وأصحاب الحقوق أنفسهم.
ولعل في مشروع الملك لتطوير القضاء دفعة كبيرة لتطوير الثقافة الحقوقية والقضائية والعدلية بشكل عام وفي مجتمع الأعمال بشكل خاص لترسيخ مفهوم قصر الترافع أمام المحاكم وديوان المظالم واللجان القضائية بالوجه الشرعي والنظامي المطلوب على المحامي المرخص والذي يباشر عمله في مكتبه الخاص بالمحاماة والاستشارات القانونية، ولعل الشركات المساهمة العامة وبخاصة البنوك والتأمين وزميلاتها من شركات الاستثمار، باعتبارها الأكثر ملاءة وقدرة اقتصادية، هي الأكثر مطالبة بتحمل مسؤوليتها الاجتماعية والقانونية، لأنها تعمل بأموال المجتمع وتدرك أن عليها واجباً كبيراً تجاه المجتمع بحوكمة أعمالها التي تقتضي بأن تكون الُمَباِدرَة والمُطَاِلبَة بالالتزام بجميع القوانين واللوائح الواجبة الالتزام والاحترام والتنفيذ، ومن بينها نظام المحاماة وليس مخالفتها أو التحايل عليها، كما أن جميع الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية التي لديها لجان قضائية ولا تطبق نظام المحاماة في أعمالها ترتكب مخالفة لهذا النظام، كما أن المحاكم العامة والجزئية بشكل نسبي تختلف في تطبيق نظام المحاماة من محكمة إلى أخرى ومن قاض إلى آخر، وفي ديوان المظالم من دائرة إلى أخرى، والمطلوب هو تطبيق كامل وشامل لنظام المحاماة وجميع الأنظمة العدلية التي تشمل نظامي المرافعات الشرعية والإجراءات الجزائية. كما أن المحامين خاضعون للتأديب عند الإخلال بواجباتهم المنصوص عليها في نظام المحاماة وهي أهم ضمانة علمية ومهنية وأخلاقية للمجتمع عند التعامل مع المحامي.
مشروع تطوير القضاء الذي يحتوي على محاكم نوعية متخصصة في القضاء التجاري والعمالي والإداري والجزائي والأحوال الشخصية والأسرة ويستحدث درجة تقاض جديدة وهي محاكم الاستئناف ومحاكم عليا بصلاحيات واختصاصات قضائية محددة في القضاء العام والقضاء الإداري؛ يستوجب تأهيلا وتطويرا كميا ونوعيا دائما للقضاة وفق أعمالهم النوعية المتخصصة في المحاكم النوعية، ويجب أن يقابله تعزيز لدور المحامي المؤهل علمياً والمرخص نظامياً لمتطلبات المرحلة القادمة، وما تحتاجه من إلمام علمي وخبرة متطورة ومتجددة في مختلف العلوم القانونية والقضائية؛ لتساعد القضاة على تحقيق مضامين مشروع تطوير الملك للقضاء، بل هي السبيل الوحيد لذلك، لأن كل تلك التشريعات والتنظيمات والجهود والمبالغ المرصودة لن تنجز الغاية من وجودها لتطوير القضاء إذا لم يترافع المحامون المتخصصون أمام القضاة المتخصصين في محاكمهم المتخصصة.