انتشار الخبر، والتقاء العلماء والشعراء، وتبادل الأخبار والعلوم، وتعارف الناس بعضهم على بعض .. كان كل هذا يتم عن طريق الأسواق التاريخية والشعبية، حيث كانت الأسواق تشكل جزءا مهما من حياة الناس قديما، فلم يكن هناك بديل عنها.

كل قطر من أقطار الوطن العربي تميز بسوق تاريخي يكفل لمرتاديه ـ إلى جانب توفر مختلف البضائع القادمة من الهند والصين ـ جديد الشعر والأدب والأخبار بين القبائل العربية.. أشهر تلك الأسواق سوق (جرش) الذي بدأ في منطقة السروات جنوبي منطقة عسير.. و جرش ا?خر في الأردن، وسوق (حباشة) في محافظة بارق.. وأكبر الأسواق وأشهرها وأكثرها ثراء ثقافيا وحضورا واهتماما منذ نشأته حتى اليوم سوق (عكاظ) مثلا، فهو يعنى بالحراك التجاري والاجتماعي والثقافي، ويعتبر ثالث أشهر أسواق الجاهلية بالإضافة إلى سوق مجنة وسوق ذي المجاز.. كان بالإضافة إلى بيع البضائع المادية كالسمن والعسل والتمر والإبل والخمر، يأتي الشعراء بقصائدهم لتعرض على محكمين من كبار الشعراء معظمهم من بني تميم، وتسود فيه بعض المظاهر كالمفاخرة با?باء وعرض بناتهم للزواج. وقد خطب فيه أشهر الخطباء كقس بن ساعدة الإيادي، ودخل إليه النبي صلى الله عليه وسلم يطلب الحماية من مرتاديه ليمارس الدعوة. وغير عكاظ اشتهر سوق الحميدية في دمشق فكان له الفعل ذاته والخصائص ذاتها التي تميز الأسواق التاريخية وتخلدها في كتب المؤرخين، بني في عهد السلطان عبد الحميد الأول عام 1780، واحتفظ بالبناء ذاته مئات السنين، يقول عنه السوريون: من دخل دمشق ولم يزر سوق الحميدية فلم ير شيئا. وفي قطر سوق واقف الذي أعيد ترميمه عام 2002، ويشهد حشدا من الثقافات واللهجات والوجوه والبضائع والمأكولات من مختلف دول العالم. الأسواق التاريخية جهة أساسية مؤثرة في تشكيل المجتمع بطبقاته وأعراقه، يشتهر من خلالها صيت الشعراء، وسمعة الأسر العريقة، وأحوال الفرد المعيشية، وخصائص البلدة التي أنشئ فيها واختلافها عن البلدات الأخرى.

 الأمنية أن ينعش سوق "حباشة" ويأخذ الاهتمام ذاته الذي حظي به سوق عكاظ وجرش ا?ردنية. فكل التنبؤات تقول إن محافظة بارق لها مستقبل جلي شعريا وثقافيا.. وكل الآمال معقودة بهمم شعرائها ومثقفيها الشباب الذين ظهروا على الساحة بحس ووعي خاص.