قرأت مرة عن مغامرة أحد الصحفيين في التنكر بزي نسائي والخروج للشوارع بغرض التسول واقتحام خبايا ذلك العالم، فانبهرت بنتائج تحقيقه الذي كشف بأن ما يقارب %98 من المتسولين والمتسولات الذين صادفهم لم يكونوا إلا محتالين، وأنهم يجنون في اليوم الواحد مبالغ تعادل رواتب شهرية، ولكن المصيبة ظهرت عندما أراد التأكد من رد فعل إدارة مكافحة التسول إذا ما حاول أحد التسول أمام أحد فروعهم، فكانت النتيجة أن قام عدد من منسوبي الإدارة بالتصدق عليه!
صدق أو لا تصدق: أحد هؤلاء المتسولين الذين تراهم في الشوارع والأسواق التجارية قد يكون مالكا لحساب بنكي يحوي مئات الآلاف وربما الملايين -إذا كان من ذوي الخبرة-، ومن المحتمل أن يكون صاحب منزل تراه أنت وبنو طبقتك الاجتماعية "منزل الأحلام"، ولا أظنك ستتعجب بعد معرفة أرصدتهم وممتلكاتهم أنهم يطبقون سياسة عصابات النصب والاحتيال "ميدانيا".
فحين بيّن الله سبحانه حال الفقراء في القرآن الكريم وصفهم بالتعفف عن سؤال عامة الناس إلى حد ظن الجاهلين أنهم أغنياء، وللأسف من اتخذ دور الجاهل في الآية هي "أغلب" الجمعيات الخيرية التي أنشأت بغرض كف حاجة الفقراء دون استغلال حاجتهم كما تفعل تلك العصابات، وللأسف فإن خيرات هذه الجمعيات يستغلها -أحيانا- من ليس له الحق فيها، أما نحن فقد وجهنا الصدقات للعصابات!
والمسؤولية الأولى في رأيي تقع على إدارة مكافحة التسول بسبب غيابها الميداني، وهذا باعتراف الإدارة ذاتها حين صرح أحد مسؤوليها بأن "التعاطف" مع المتسولين هو ما يعرقل عملهم، ولكن هذا التعاطف هو المتسبب الرئيس في انتشار تلك العصابات المستظلة بمظلة الفقر.
واليوم كثيرا ما نقرأ ونسمع عن اختطاف الأطفال من قبل تلك العصابات في دول مجاورة وتشويههم جسديا لكسب مزيد من تعاطف العامة مع الطفل، وربما يصل الحال إلى المتاجرة بهم أيضا، ولكي لا نصل إلى مثل تلك الحالات -هذا إذا لم تكن موجودة بالفعل- يجب على إدارة مكافحة التسول إعادة النظر في عملها الميداني وملاحقة تلك العصابات دون تعاطف، والشروع في تعاون جاد مع الجمعيات الخيرية لتوجيه المتسول لهم في حال اتضحت حاجته.