لكل إنسان وجه أخلاقي يتواصل خلاله مع الآخر، وليس هذا الوجه شيئا آخر غير العلم، لأنه الواجهة التي يعرف بها أحدنا الآخر، ولذلك كان معروفا عند العرب "تكلموا تعرفوا"، إذ إنه خلال كلام الشخص يأخذ كل منا انطباعا عن الآخر، هذا الانطباع هو بمنزلة الصورة التي تنطبع في الذهن عند رؤية العين للآخر الذي أمامنا، فكذلك الأمر حين يتحدث شخص أمامنا، تتحرك عين البصيرة الأخلاقية لترى عبر بؤبؤها الوجه الأخلاقي للآخر الذي يتكلم أمامها، فينجلي لها بفضل نور شمس النبوة "القرآن و السنة" موطن هذا الإنسان خلال مواصفاته الأخلاقية التي يتصف بها، هل هو من بلاد المالكية، أم من بلاد الحنفية، وهل أتى من موطن الصوفية، أم قدم من مستقر الأشاعرة، أم إنه قدم من بلاد أبعد، كموطن المسيحين أو اليهود مثلا، أو غيرهم من الأديان التي وإن اختلفت معنا في أشياء، فإنها تشترك معنا في أشياء كثيرة، لأنها من الهوية الأخلاقية نفسها؟!
لا عجب بعد ذلك أن تظهر لكل متبصر ضرورة البحث عن المشترك في الجسد الأخلاقي بين بني البشر، ليتمكنوا من التعايش فيما بينهم، ولن يتأتى لهم ذلك إلا بالوعي بمكونات وأطراف جسدهم الأخلاقي، في نضج دائم عبر التدرج في فعل القراءة المأمورين بها شرعا، قراءة واعية بلوحها وبهدفها وبمخططها وكاتب سطورها، والذي ليس هو في نظرنا غير رب اللوح والقلم، الذي علم الإنسان ما لم يعلم.
بتدرج بيداغوجي، عبر صحبة أولي الألباب من الأمة، تتكون البصيرة الأخلاقية وينمو الرضيع الأخلاقي، إلى أن يصبح كهلا أخلاقيا مرورا بمرحلة الشباب طبعا، تتكون مختلف الحواس الأخلاقية لديه، وحتى لا يخرج الإنسان وينحط لمرتبة أدنى، عليه أن يقلم أظافره الأخلاقية، والتي ليست في نظرنا غير غرائزه المجردة.
حسب الكتور طارق رمضان، في محاضرة له، فإن الإنسان المسلم يمشي برجلين على طريق الإسلام، رجل العبادة ورجل التعاطف مع الآخر، فعل الصلة بالله
وفعل الصلة بالخلق.
إنه فقط بمثل هذا الفهم للدين كفلسفة حياة، نستطيع أن نمشي قدما على صراط المحجة البيضاء ليلها كنهارها، فنطبق وصية رسولنا الأكرم، صلوات الله
وسلامه عليه، لا أن نرفض السير والمسير بحجة أن كل خطوة إلى الأمام لم يخطها الرسول فهي بدعة.