لا بد أن نرفع القبعة احتراما وإجلالا للقرارات التاريخية غير المسبوقة التي أعلنتها الشقيقة الإمارات قبل أيام، وعلى رأسها استحداث وزارة جديدة للسعادة، تكاد تكون الأولى من نوعها في العالم.
ويتبين قيمة هذا القرار عندما ننظر إلى تصنيف دولة كالإمارات العربية المتحدة ضمن تقارير مؤشر السعادة العالمي من 2012 وحتى 2015، نجد أنها دائما ما تأتي ضمن المراكز العشرين الأولى، وذلك بحصولها على المركز العشرين عالميا.
في مجتمعاتنا العربية قد تبدو فكرة قياس السعادة مهمة محيرة لكثير، ومثيرة للسخرية عند آخرين.
السؤال المطروح: أيهما أهم، زيادة الدخل أم زيادة السعادة؟ ما المعايير التي يمكن أن نقيس بها السعادة؟ الدراسات والتقارير أكدت أن هناك كثيرا من الدول في العالم تؤيد فكرة السعادة أولا، دولة بوتان مثلا، هي واحدة من أكثر بلدان العالم عزلة في آسيا، ولكنها في الحال ذاته تجدها الدولة الوحيدة التي تستخدم "المؤشر الإجمالي الوطني للسعادة" لقياس درجة تقدمها، بدلا من المعتمد عالميا، والذي يستخدم نموذج مؤشر "الناتج المحلي الإجمالي"، والذي يركز على زيادة الدخل.
في الصين مثلا، تجد أن فكرة السعادة اكتسبت شعبية كبيرة إلى درجة أن المدن هناك أصبحت تتنافس لنيل لقب أسعد مدينة في الصين.
وفي الإطار ذاته، تأسست رؤية عالمية جادة لتغيير القيمة السائدة في العالم، وهي ربط التقدم بزيادة الدخل، إذ اشترك عدد من الأشخاص في تأسيس "مشروع هاباثون"، وهو مشروع يضم مجموعة أفراد من نيويورك وإنديانابوليس وسان فرانسيسكو وبوغوتا ولندن وأوسلو، إذ يقول مؤسسها: "هدفنا هو إيجاد مؤشر شخصي للسعادة، لكي يتعلم الإنسان أن قيمته كإنسان أكبر من المال فقط".
ولذلك تجد أن في بعض الاستطلاعات الدولية للسعادة كالتي تجريها مؤسسة الاقتصاد الحديث في لندن، أن دولة كوستاريكا وهي من الدول الفقيرة قد تربعت على الصدارة في قائمة أسعد شعوب العالم في 2013 و2014 ضمن 151 دولة.
الدراسات تشير كذلك إلى أن عوامل إسعاد البشر نسبية تختلف من بلد إلى آخر، لكن تبقى الأسباب الرئيسة متشابهة إلى حد كبير وتشمل: الطبيعة المتفائلة للفرد وثقافته، والاستقرار الأسري، والأصدقاء الأوفياء، والإيمان الديني القوي، والرضا الكامل عن العمل الذي يقوم به، وجودة التعليم، والاستقرار المالي والمهني، ووفرة الدخل المادي، والصحة الجيدة، والنجاح المهني، والرفاهية في السياحة والنقل.
كما كشفت الدراسات أن أسباب تعاسة غالبية البشر تكمن في ارتفاع تكاليف المعيشة، والمشاكل في العمل، والبطالة، وعدم وجود السكن المناسب، والرواتب المتدنية، وسوء الصحة، وعدم الرضا الذاتي، والديون الثقيلة، وعدم الاستقرار العام، وغياب الشفافية، والشعور بالتمييز والإهمال والتهميش من المسؤول، والخوف من الظلم، والخوف من المستقبل، والخوف من فقدان الحريات، وانتهاك حقوق الإنسان، وغياب العدالة الاجتماعية، وتفشي العنف والفساد والجريمة.
وبما أن مؤشر الفساد يعد أحد المؤشرات الرئيسية في تقييم مدى سعادة المواطنين في العالم، أقترح هنا على الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد "نزاهة" أن تقوم بعمل استطلاعات دورية لقياس مؤشر السعادة، ورصد مدى رضا الفرد وسعادته عما يقدم له من خدمات، ومعرفة هواجسه ومخاوفه، وأكثر القضايا التي تشغل حيزا كبيرا من اهتماماته.
أخيرا أقول: تجربة وزارة السعادة في الإمارات؛ تجربة ملهمة لكل دول العالم، لأنها تركز على الإنسان كمحور أساسي وجوهري في كل مشاريع التنمية والتطوير.? ?