دائما نربط سعادتنا بأشياء معينة، ونعتقد بأن تحقيقها هو ما سيسعدنا، وما إن نحقق هذا الذي ينقصنا أو نقترب من الوصول إليه، حتى يلوح لنا هدف آخر نريد تحقيقه، هذا الآخر قتل سعادتنا عندما تحقق لنا الأول.

الإنسان بطبعه طموح، ويركض خلف أهدافه، وفي كل محطة من إنجازاته يفكر في المحطة الأخرى، ويظل طوال عمره يلهث خلف محطاته وآماله، هذا الطموح يجعلنا لا نعي ولا نقدر سعادتنا بتحقيق أي هدف سعينا لأجله، لأننا مباشرة

سنبحث عن الهدف الآخر.

الطموح يجعلنا لا نثمن ما نحن فيه الآن، لأنه دائما يعشمنا بالأفضل، ويجعله هاجسا بالنسبة لنا. قد نعيش لحظات نراها الآن عادية، ولكن يوما ما سنكتشف أنها كانت من أجمل لحظات عمرنا، ولكن طموحنا لا يريدنا أن نستمتع.

هكذا هي حياتنا، هناك شيء ما في المستقبل نسعى إليه وننتظره ونتمنى تحقيقه. لو بحثنا عن شاب حديث التخرج يحلم بوظيفة عادية مستقرة، ثم فجأة أعطيناه منصب نائب الرئيس لأكبر شركة في السوق، هذا المنصب يفوق كل توقعاته، ولكن أكاد أجزم بمجرد تعيينه سيصبح هاجسه هو منصب رئيس الشركة وليس نائبه. ألم يقتل طموح هذا الشاب سعادته بالحصول على منصب لم يكن يحلم به يوما؟

عندما نتقدم بالعمر، ربما لا نربط سعادتنا بتحقيق أشياء معينة بقدر ما نربطها بالتخلص من أشياء أخرى كالمرض أو الشيخوخة أو هموم الأبناء ومشاكلهم أو الديون، بل إن بعضهم ينتظر سن التقاعد ليتخلص من هذه الوظيفة التي أرهقته وأكلت سنوات من عمره. أليس غريبا أن تكون سعادتنا عندما نكبر في التخلص من وظيفة، وهذه الوظيفة هي مصدر سعادة شخص في مقتبل عمره!

أليس من الغريب ألا نثمن أجمل لحظات عمرنا إلا إذا تحولت إلى ذكريات! ذكريات جميلة طموحنا قتل لذتها في وقتها ولم نعِ ذلك إلا بعد عمر.