أرجو أن تعذروني على جهلي، فأنا لا أعرف ما هو النص الشرعي أو النظامي الذي استند إليه وزير الشؤون البلدية والقروية، عندما أصدر قراره بالفصل بين الرجال والنساء في المجالس البلدية، وتجهيز أحواض زجاجية لوضع النساء الفائزات بالانتخابات أو المعينات داخل تلك الأقفاص بحيث يرين الرجال ولا يرونهن!

المشكلة التي ربما لم ينتبه لها الوزير أن بعض هؤلاء النساء يظهرن على شاشات التلفزة بحجابهن الشرعي ويشاركن في مجالس أخرى بدون أقفاص، والرجال الموجودون في المجالس الآن يعرفونهن وشاهدوهن بحجابهن المحتشم في التلفزيونات ومجالس ومناسبات أخرى، ومجالس الغرف التجارية وعمادات الكليات في الجامعات ومجالس الأندية الأدبية، كلها فيها رجال ونساء منتخبون ومعينون، ولم نسمع أن أحدا طالب بأقفاص وزير الشؤون البلدية، بل ولم نسمع عن أي مشكلة حدثت من جراء جلوس الرجال والنساء في هذه المجالس على طاولة واحدة، فكلهم ناضجون وهم آباء وأمهات وهم يدركون أن الاختلاط ليس حراما مطلقا، فالناس من الجنسين مختلطون في الأسواق والمستشفيات والمطارات والطائرات والطرقات والمعارض وحتى في الحرمين الشريفين، ومجلس الشورى خاض معركة سميتها معركة الحاجز وكتبت عنها مقالا شهيرا هنا، فقد استمرت المعركة لمدة ثلاثة أشهر تقريبا، وانتصر فيها رئيس المجلس والأغلبية التي رأت في وجود حاجز بين الأعضاء والعضوات تكلفا ممجوجا وسبة في وجه المملكة والدين الإسلامي نفسه الذي حرم (الخلوة) فقط، أما الاختلاط فالمصطلح نفسه لم يكن معروفا في زمن النبوة، ولا في القرون المفضلة اللاحقة، وأغلب ظني أنه من بدع ما سمي بالصحوة عندنا، لأن المجتمع السعودي كله كان هانئا مطمئنا يعيش في وئام وتآلف، نساء ورجالا، حتى جاءت (الغفلة) ففرقعت شمل الأسر، وأصبح رجال الأسرة الواحدة ونساؤها لا يعرفون بعضهم بعضا، وتراكمت ظلمات الغفلة لتخرج من تحت ردائها ما تسميه الفساد الأخلاقي بين الجنسين، وهو إن صح وأصبح ظاهرة في بلادنا، فهو بسبب تلك الغفلة التي كرست في الناس النفاق والكذب وجردت الدين من جوهره العظيم إلى شكلانية تخفي من الفساد ما الله به عليم!!

وزير البلديات كما غيره من الوزراء رجل تنفيذي، والتشريع الآن مناط بمجلس الوزراء الذي يتخذ القرار بعد استشارة مجلس الشورى أو بدونه، فهل أصدر مجلس الوزراء قرارا بمنع الاختلاط ونحن لا نعلم عنه؟! أم أنه سري؟! ولماذا لم يشمل إلا المجالس البلدية فقط!! ثم إذا كان القرار موجودا بصورة سرية، أو أن الوزير اجترح هذه الصلاحية، فلماذا لم يمنعهن من دخول الانتخابات؟ ولماذا عين نساء إلى جوار المنتخبات، لماذا هذا التناقض! وهل الوزير مفت أم وزير بلديات، ثم كيف سمح لنفسه أن يضع الوطن كله في هذا المأزق المسيء إلى بلادنا في الداخل والخارج، بل المسيء إلى الدين نفسه؟!