بقدر ما تحمل بعض الحوادث من غرابة، فهي تحمل كثيرا من الألم الذي يحفّز الكتّاب لفضح الظلم الذي قد يصل حدّ الإجرام عبر عمل روائي. وهذا ما فعلته الروائية السعودية فوزية الخليوي في روايتها (نساء العتمة) الصادرة منذ أيام عن دار (كتّاب) الإماراتية، مرتكزة فيها على حكاية واقعية ظُلمت فيها الأنثى وعانت عبر سلوك أخٍ قام بسجن أختيه في غرفة ضيقة وعزلهما عن العالم الخارجي أكثر من عشر سنوات حُرمتا خلالها من التعليم والحياة الإنسانية السوية...

في "نساء العتمة" محاولة للغوص في عمق المكان وتحليل إشكالية الأنثى، فـ"أعين النسوة تقف خلف الأبواب" متشابكة مع الرهبة والسكون... وحين تأتي لحظة اكتشاف الكارثة يسيطر التحليل النفسي على المشهد. تحليل لحال الضحيتين.. وتفكير الجاني وهو يرى الآخرين يطلعون على "عوراته".. وتصوير قسوته في الحياة والتعامل مع الآخرين، أما الوالدة التي "تشققت يداها واسودت وجنتاها واغبرت قدماها" فهي تحلم بقبلة من الابن على جبينها حين يدخل للبيت، وتغادر الدنيا دون أن يتحقق الحلم، فيما الأب ينتظر دوره للمغادرة.

تُصوّر الخليوي سلبيات الواقع الاجتماعي وانعكاساتها على الأسرة، الأمر الذي جعل من "بكري" سجاناً لأختيه.. وضمن تصويرها تتماهى الرؤية السردية مع الموروث الشعبي للدلالة على المكانية وعلى التركيبة الخاطئة التي لم تكن وليدة يومها بل تم تناقلها عبر الأجيال لتصبح سلطة "الذكر" عرفاً اجتماعياً يصعب تجاوزه. ويصبح هذا الذكر الذي يُمتدح بأنه "ذيب"! يمارس طقوس الجبروت حتى على أبيه.

خيط الخلاص في (نساء العتمة) يكمن في أم سعيد التي يعرف منها معلم المدرسة يحيى قصة الفتاتين، وتميل إحداهما (أريج) إليه وهي تراه من فتحة صغيرة. ليتمثل المخلّص في الرواية بشخصية المعلم "يحيى" في ترميز إلى أن التعليم حل للخروج من جهل العادات. وتتصاعد الأحداث حين يتصادم يحيى وبكري في تعبير ضمني عن تصادم العلم والجهل. دون أن تنسى الكاتبة على هامش الحكاية الرئيسية التطرقَ إلى قضايا مجتمعية مثل الطبقية وعدم تزويج الفتاة من طبقة أدنى، وختان البنات... فيما الأزمنة تتداخل مع اختلاف أماكن الأصوات.

فوزية الخليوي أجادت في انتقاء الموضوع وطرحته بأسلوب رأى فيه الناشر جمال الشحي ما يدفعه لتبنيه، فكانت "نساء العتمة" صرخة ضد الظلم، وتجربة تستحق القراءة بعمق.