هناك مَثل شائع، بين عدد من سكان القرى، في غير مكان. المثل يقول "من ضيع المراجل زبن للدين"، ومعناه واضح وصحيح، فمن تفوته مروءة الرجال سيجد في لباس التديّن سترا لعيوبه، وفي هذا الملجأ المراوغ ستستحيل العيوب ونواقص الأخلاق جميعا إلى أفعال حميدة، يمكن بسهولة أن يلوي عليها قصصا ونصوصا من هنا وهناك، فتبدو في النهاية أكثر غرائزه وحقاراته ونذالته شرا وبذاءة أفعالا مشروعة، مدعومة بالأدلة التي يريدها.
في صنعاء، اقتحموا مستشفى وقتلوا المرضى، أحدهم يطلق النار على ظهر ممرضة وهي تحاول إسعاف جريح، في العراق غدروا بمآت البيوت الآمنة، هجّروا أهلها منها، قتلوا رجالها، واستعملوا فتياتها الصغيرات، وتبايعوهن في أسواق النخاسة.
ظهرت الفتاة نادية مراد بعد أن هربت منهم وحكت بكاءها للعالم، سحلوا كرامة عائلتها قبل أن يصفوا أجسادهم، واقتادوها إلى بيوتهم، يصلون بجوارها ثم يغتصبونها، ومثلهم يفعل الحشد الشعبي، لا فرق.
في سورية أيضا، انقضوا على الشوارع والقرى، تباهوا بالرقاب والإعدام بالرجم والحرق ودهس الدبابات، نسفوا الآثار وحولوا مسارح التاريخ إلى مكان لتعليم الأطفال إطلاق النار على رؤوس الناس.
في تونس، دخل أحدهم لمنتج آمن بمظلة شمسية، يخبئ داخلها بندقية آلية، فتحها وبدم بارد صار يطلق النار هنا وهناك، يصبح الموت لعبة شديدة العبث، على الرصاصة أن تخطئك فقط لتبقى حيا، ليس هناك اعتبار آخر.
في مصر، عبوة تنسف طائرة، أحدهم يكتب فرحا بموت الأطفال كي لا يكبروا على الكفر. في الكويت تفجير مسجد يذهب ضحيته العشرات. في السعودية مسجد في الدمام، وآخر في الأحساء، وثالث في خميس مشيط، يدخلها هؤلاء ويقتلون مصلين غافلين. في السعودية أيضا يستجير بابن عمه، فيقتله بلا أدنى شيمة.
الجميع صار يعرف عشرات وعشرات الأمثلة، سواء في بلده أو في كل بلدان المسلمين، بلا استثناء، فقد أصبح كل هذا صورا ومقاطع وأخبارا يومية، أعلاها يتمثل في رقم الضحايا، وأدناها في فيديوهات ضرب واعتداء وتمريغ كرامة، وليس ضروريا أن تذهب إلى سورية أو العراق لتصبح مجرما داعشيا، راجع أفعالك هنا، راجع فكرتك ومروءتك، ستجد أناسا بيننا يضربون فتاة في مكان عام، وآخرون يهجمون على مسرح أو أمسية أو فعالية، أو يحرضون على شخص ويطالبون بقطع عنقه، لا حاجة أن تنظر للأباعد، كل شيء يحدث على مقربة منك.
نعم، من ضيع المراجل زبن للدين، و"من وعدونا بالجنة، على الأرض، لم يعطونا غير الجحيم"، على رأي كارل بوبر، وصدق.