لم تفاجئ التفجيرات الإرهابية الأخيرة التي شهدتها بروكسل كثيرا من المراقبين الذين أشاروا إلى أن عاصمة الاتحاد الأوروبي، باتت تعرف باسم "معقل التطرف الأوروبي"، بسبب تزايد المتطرفين فيها، موضحين أن 500 متشدد بلجيكي قاتلوا في صفوف دواعش سورية.
رغم تفاوت ردود أفعال المرشحين المحتملين لانتخابات الرئاسة الأميركية عن الأحداث التي شهدتها العاصمة البلجيكية بروكسل، أول من أمس، إلا أن اللافت أن تجاوبهم مع الأحداث وانعكاساتها على خطابهم الانتخابي كان سريعا وقويا، حيث بادر كل منهم إلى إبداء وجهة نظره في الأحداث، مستبقا كشف تفاصيلها وإماطة اللثام عن خفاياها، رغبة في دعم موقفه قبل الانتخابات التمهيدية في ولايتي أريزونا ويوتا.
اللهجة الغالبة على تلك التصريحات الانتخابية كانت السعي لهزيمة الإرهاب، ودحر تنظيم داعش، وتوحيد الجهود للقضاء على المتشددين، لكن أساليب تحقيق ذلك تفاوتت ما بين الدعوة لإقرار اللجوء إلى تعذيب المشتبه بهم لانتزاع اعترافات يمكن أن تؤدي لتفكيك الخلايا النائمة، أو تسيير دوريات بصورة مستمرة في الأحياء التي يكون معظم سكانها من المسلمين، ومنح رجال الشرطة صلاحيات أوسع للقيام بعمليات المداهمة والاعتقال والاستجواب، أو الدعوة لتجنب الإيحاء بأن الولايات المتحدة في حرب مع دين بعينه أو عرقية محددة.
طرد المسلمين وتعذيبهم
بداية التصريحات انطلقت من المرشح المثير للجدل، دونالد ترامب، الذي حاول انتهاز الفرصة للتأكيد على صواب آرائه المرفوضة، بمنع دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة، لكنه هذه المرة تجاوز حدود تلك الدعوة، عندما طالب بالسماح للمحققين ورجال الأمن بتعذيب المشتبه فيهم، للحصول على اعترافات يمكن أن تؤدي لاعتقال متطرفين آخرين. ولم ينتظر ترامب اتصالات الوكالات الفضائية لسؤاله عن رأيه، بل بادر من تلقاء نفسه – كما أكدت أكثر من محطة فضائية – بإجراء الاتصال، وطلب استضافته للتعبير عن آرائه، حيث أطلق للسانه العنان لتوجيه الاتهامات والإساءات للمسلمين، ودعا إلى إغلاق الحدود في وجوههم، وإخضاع الموجودين أصلا لعمليات تحقيق موسعة.
ويقول الباحث في معهد كاتو، جون سامبلز، إن صورة الرجل القوي التي طرحها ترامب عن نفسه تأتي ضمن الصورة العامة التي يريد أن يراها الأميركيون في مرشح، وأن يقولوا إنه "شخصية رئاسية"، مؤكدا أن تصريحاته الأخيرة لن تكون سببا في دعم موقفه الانتخابي.
التمسك بثوابت القانون
كعادتها دائما، اتبعت المرشحة عن الحزب الديمقراطي، هيلاري كلينتون، سياسة أكثر اعتدالا ورصانة، ومع دعوتها إلى بذل مزيد من الجهود لهزيمة الإرهاب، إلا أنها شدَّدت على ضرورة الالتزام بمبادئ القانون الأميركي، وعدم تجاوزها، مشيرة إلى أن مصلحة الولايات المتحدة تتطلب ألا يتم تصويرها على أنها في حالة حرب مع جماعة عرقية بعينها أو دين محدد. كما تمسكت بتجنب استفزاز المسلمين. وأضافت في تصريحات صحفية "يتعين على المسؤولين الأميركيين تجنب الأفعال والتصريحات التي تعطي انطباعا بأن البلاد في حرب مع دين بأكمله، وأعني بذلك الإسلام، لأن هذا الأمر ليس خطأ فقط، بل هو خطير أيضا".
ودعت كلينتون إلى تنسيق معلومات المخابرات وتشديد الأمن بين الولايات المتحدة والمسؤولين الأوروبيين، بعد هجمات بروكسل، وتابعت التحالف الدولي الذي يقاتل تنظيم داعش لن يكون قادرا على إعلان النجاح قبل أن يستعيد الأراضي العراقية التي استولى عليها التنظيم".
وقللت كلينتون من خطورة التهديد الذي يمثله الدواعش في ليبيا، قائلة "حتى في ظل التحديات التي نواجهها في ليبيا، فنحن لا نرى هناك - وآمل ألا نرى أبدا - مخاطر مماثلة لتلك التي تأتي من سورية، والأولوية ينبغي أن تعطى لدحر التنظيم في سورية والعراق، قبل الالتفات إلى مناطق أخرى".
ارتداء قناع العنصرية
سار المرشح الجمهوري المحتمل، تيد كروز، على نفس نهج منافسه، ترامب، ودعا في مؤتمر صحفي إلى التشدد أكثر من المسلمين، وإخضاع منازلهم وأحيائهم بأكملها لعمليات تفتيش مستمرة، بواسطة قوات الشرطة. وفي تصريح آخر بعد ساعات معدودة من المؤتمر، دعا كروز إلى إعطاء صلاحيات أوسع لعناصر الشرطة الأميركية "لتسيير دوريات في أحياء المسلمين الأميركيين وتأمينها قبل أن تصبح مرتعاً للتطرف".
وزاد على ذلك بالدعوة إلى وضع إستراتيجية شاملة لضرب داعش، على أن تشمل ضرب مناطق التنظيم ومقراته في سورية والعراق لتدميره، واستعمال أساليب القصف العنيف الشامل لمناطقهم للقضاء عليهم.
عندما سأله الصحفيون عن مصير الأبرياء الذين يسكنون تلك المناطق وكيف يمكن أن يضع مرشح لدولة، مثل أميركا سياسة مثل هذه ليطبقها الجيش، تمسك كروز برأيه، مشيرا إلى أن الأمن القومي الأميركي يجب أن يمنح أولوية مطلقة، وأن تسعى الإدارة المقبلة للقضاء على الإرهاب، مهما كلف ذلك من تضحيات وخسائر.
وأشار محللون إلى أن كروز يريد اتباع نفس سياسة ترامب، وأن يحرم منافسه من عامل الجذب الشعبي الذي يتمتع به، عبر إطلاق تصريحات مثيرة تدعو إلى مزيد من التشدد.