من بين الأحداث التي تؤكد أن إيران دولة متغطرسة ومعادية للولايات المتحدة، تلك الاستفزازات التي مارستها مؤخراً باحتجازها قاربين تابعين للبحرية الأميركية وبحارتهما وإذلالهم بإجبارهم على الركوع ووضع أيديهم خلف رؤوسهم، ومن ثم تصويرهم وتوزيع صورهم على الملأ، وتكريم المُرشد الأعلى علي خامنئي لرجال البحرية الإيرانية الذين احتجزوا الأميركيين. وعلى الرغم من كل ذلك لم ترد الإدارة الأميركية، مما شجع طهران على التمادي في عمليات الاستفزاز والغطرسة العديدة.
ومن هذه الأحداث أيضاً إطلاق طائرة إيرانية مسيّرة فوق حاملة الطائرات الأميركية "هاري ترومان"، وإطلاق غواصة إيرانية من طراز "قادر" صاروخاً لدى اقترابها من الحاملة الأميركية، واقتراب سفينة عسكرية إيرانية من هذه الحاملة نفسها لمسافة 1500 ياردة فقط، أثناء مرورها بمضيق هرمز، وإطلاقها عدة صواريخ باتجاه بعيد من الحاملة، بالإضافة إلى تجاربها على الصواريخ الباليستية خلال الشهرين الأخيرين من العام الماضي.
إن هذه الاستفزازات الإيرانية تدل على الغطرسة والاحتقار اللذين تكنهما طهران لأميركا وقيادتها السياسية، وكان على الرئيس الأميركي باراك أوباما أن يتعامل مع الخليج العربي كمنطقة حرب ويرسل رسالة واضحة إلى إيران بأن تصرفاتها هذه لا يمكن التسامح معها، وأن يتخذ عملاً ملموساً ضد الغواصة التي أطلقت الصاروخ، وأن يعلن الأسطول الأميركي الخامس "منطقة عزل" حول الحاملة الأميركية. وعلى إدارة أوباما أن توضح لطهران أنها مستهدفة من قبل "أحدث غواصاتنا الحاملة للصواريخ الباليستية، وإذا أقدمت على تصرف بليد فسنمحوهم من الوجود".
إن إدارة أوباما كانت تأمل بغباء بعد إبرامها الاتفاق النووي مع طهران، أن تعدّل إيران من سلوكها الاستفزازي وتصبح عضواً يتمتع بالمسؤولية في المجتمع الدولي، لكن أوباما كان مخطئاً ولم يفهم أن إيران ظلت عدواً لأميركا طوال 36 عاماً، وارتكبت العديد من الحوادث "الإرهابية" التي راح ضحيتها آلاف الأميركيين العسكريين والمدنيين. ولقد فهمت طهران أن عدم الرد الأميركي ضعف موروث في قيادتنا السياسية، وأنه ليس مستغرباً أن تكون إيران هي التي قدمت المواد الأساسية والتدريب لمنفذي هجمات 11 سبتمبر2001"، وهذا ما أثبته القاضي جورج دانييل في محكمة مقاطعة نيويورك" في وقت لاحق. وذكر أن هذا التغيّر الدرامي في سياسة أميركا بالشرق الأوسط تعود جذوره إلى عام 2008 عندما حصل أوباما على ترشيح الحزب الديموقراطي له للرئاسة، فأوباما فتح قناة سرية مع القيادة الدينية لإيران وطلب منهم -وفقاً للسفير وليام ميلر- ألا يتعاملوا مع إدارة جورج دبليو بوش وأن ينتظروا حتى يتولى هو الرئاسة، ووعدهم بالحصول على صفقة أفضل كثيراً، مؤكداً لهم أنه صديقهم.
إن تذلل أوباما ووزير خارجيته جون كيري للإيرانيين لإكمال الاتفاق النووي لم يكن إهانة للأميركيين فحسب، بل شجع إيران على أن تكون أكثر جرأة وتنفذ أعمالاً أكثر عدوانية بتعزيز هيمنتها في الشرق الأوسط، وبالتالي تحقيق هدفها الأكبر وهو الاستيلاء على آبار النفط في شمال شرق السعودية وعلى أرض الحرمين الشريفين.