من يقرأ الصحف الأوروبية هذه الأيام ويستمع إلى بعض الساسة الأوروبيين قد يتخيل أن أوروبا تتعرض لهجوم خارجي مسلح يشبه حملات القبائل الجرمانية التي دمرت روما وقضت على الدولة الرومانية، أو الفتح العثماني لعدد من الدول الأوروبية، أو هجوم التتار والمجر على آسيا. فعنوان صحيفة (صن) الصادرة يوم السبت (30 يناير) يصرخ "كيف دمرت الهجرة السويد؟"، أما عنوان صحيفة (صندي إكسبرس) فيقول "اللاجئون ينطلقون من معسكراتهم للتخريب". وهذا الهلع غير المبرر يتعلق باللاجئين السوريين العُزل الذين هربوا من جحيم الأسد وداعش والميليشيات الطائفية، آملين في اللجوء إلى أوروبا ريثما تنحل مشكلة بلادهم.

وتحاول الدول الأوروبية بكل الطرق رد الانتقادات الموجهة إليها بسبب سوء معاملتها للاجئين، ومن ذلك ما لجأت إليه أخيرا من مهاجمة أكثر الدول دعما للإخوة السوريين، مثل دول مجلس التعاون.

فشل الاتحاد الأوروبي في إقناع بعض دوله بقبول حصص يسيرة من هؤلاء اللاجئين لا تتجاوز بضع مئات. وأغلقت معظم دول الاتحاد الأوروبي أبوابها أمام اللاجئين، أو سمحت بأعداد محدودة منهم، وكلف بعضها قوات الأمن بطردهم بالقوة أو ملاحقتهم في البحر لمنعهم من الوصول إلى الموانئ الأوروبية.

وهبط بعض الزعماء الأوروبيين إلى مستوى من العنصرية تجاه اللاجئين، والمسلمين عموما، على نحو لم نعهده منذ عقود.

وكانت السويد والدول الإسكندنافية الأخرى، إضافة إلى ألمانيا، استثناءات من تلك القاعدة، حيث مثلت الانفتاح والكرم والترحيب باللاجئين، ولكن ذلك بدأ يتغير جذريا هذا الأسبوع.

فالسويد مثلا، بعد أن قامت بإغلاق حدودها البرية مع الدنمارك مُعلّقة فعليا اتفاقية (شنجن) لمنع أي لاجئين جدد من الدخول إلى أراضيها، فإنها تخطط الآن لطرد نحو (80) ألفا من طالبي اللجوء الموجودين حاليا في السويد، أو ما يعادل نصف العدد الإجمالي. وإضافة إلى الإجراءات الحكومية، بدأت بعض المنظمات العنصرية بمضايقة اللاجئين، ففي يوم الجمعة الماضي (29 يناير) قامت عصابة سويدية قوامها نحو مئة شخص، مرتدين الأقنعة، بالتجمهر والتهديد بالاعتداء على اللاجئين، ولكن الشرطة اعتقلت أربعة منهم وفرقتهم، ولكنهم قد يعودون.

فإذا كانت السويد، البلد المضياف تقليديا للاجئين، قد اتخذت هذه الإجراءات، فإن الدول الأوروبية الأخرى قد اتخذت إجراءات أكثر قسوة، مطلقة العنان لقوى الأمن لمطاردتهم ومنعهم من الدخول بالقوة، وتركهم في العراء في البرد القارس، بهدف دفعهم إلى مغادرة أوروبا وعدم محاولة اللجوء إليها مستقبلا، فضلا عما تقوم به الجماعات العنصرية من إرهاب للاجئين لحملهم على المغادرة.

وسعيا إلى تقليل أعداد السوريين الذين يحاولون اللجوء إلى أوروبا، خصص الاتحاد الأوروبي مليارات الدولارات لتركيا، التي يأتي عبرها نسبة كبيرة من اللاجئين السوريين.

ومن أسوأ عناصر السياسة الأوروبية للتعامل مع "أزمة اللاجئين" كما يسمونها سعي الاتحاد الأوروبي، في محاولة لتخفيف حملة الانتقادات الموجهة إليه، إلى تشويه سجل دول مجلس التعاون في التعامل مع الأشقاء السوريين. ويتم ذلك من خلال عدة وسائل. فعلى سبيل المثال، وجه بعض كبار مسؤولي الاتحاد الأوروبي، مثل رئيس المجلس الأوروبي (دونالد تسك) انتقادا علنيا لدول المجلس، مدعيا بأنها مقصرة أكثر من أوروبا في التعامل مع اللاجئين السوريين.

وفي الأسبوع قبل الماضي، بلغت الجرأة بالاتحاد الأوروبي أنه وزع "ورقة" تلمز مجلس التعاون ودوله، وتلمح إلى تقصير خليجي في التعامل مع السوريين، وتطلب بأن تقوم دول المجلس باستقبال أعداد أكبر منهم، وتقدم مزيد من الدعم المالي للدول المجاورة لسورية. ثم تسرد الورقة عددا من الإجراءات التي يطلب اتخاذها من قبل دول المجلس فيما يتعلق بتطبيق قواعد الهجرة والإقامة والتنقل والعمل بحق الإخوة السوريين.

والاتحاد الأوروبي بهذا يتناسى الحقائق، وأولها أن رفض الاتحاد الأوروبي تقديم الحماية للشعب السوري من بطش النظام هو ما خلق مشكلة اللاجئين. والثانية هي التقصير الأوروبي الواضح في التعامل مع اللاجئين، حيث تطاردهم قوات الأمن، وتستبيحهم العصابات، ويستغلهم تجار البشر، فضلا عن عزم بعض دول الاتحاد على ترحيل عشرات الآلاف منهم. أما محاولة صرف الأنظار عن ذلك التقصير باستعداء الرأي العام ضد دول المجلس فهي جهد يائس ليس له مردود إلا تأزيم العلاقات الخليجية الأوروبية.

الحقيقة الثالثة أن سجل دول المجلس في دعم الإخوة السوريين واضح. فمنذ بداية الأزمة في عام 2011، دعمت دول المجلس صمودهم في سورية، وسعت نحو حل سياسي يحقق تطلعاتهم. ونظمت إحداها (دولة الكويت) ثلاثة مؤتمرات لحشد الموارد المالية لدعم اللاجئين، بلغت حصيلتها نحو ثمانية مليارات دولار، فضلا عن المساعدات التي قدمتها دول المجلس مباشرة للدول التي تستضيف اللاجئين السوريين.

ومنذ اندلاع الأزمة، سهلت دول المجلس دخول وإقامة الأشقاء السوريين، حيث استقبلت منهم نحو ثلاثة ملايين شخص، حسب الأرقام الرسمية التي صدرت في بيان المجلس الوزاري لمجلس التعاون. فإضافة إلى تسهيل تجديد إقامة المقيمين منهم، سهلت دول المجلس للزوار السوريين فرص الحصول على عمل، والاستفادة من الفرص التعليمية لأبنائهم في جميع مراحل التعليم، بما في ذلك الدراسة الجامعية، ومولت أكثر من مئة ألف منحة تعليمية للإخوة السوريين من غير المقيمين فيها. وهذه المساعدات حق علينا للإخوة السوريين، ولكن من المهم أن يدركها الجانب الأوروبي الذي يحاول التهرب من التزاماته الدولية بإلقاء اللوم على مجلس التعاون.