ليس هناك أسهل من أن تنشئ إنساناً ذا قيم مجردة من الرحمة، قيم تُعلي من قيمة الفكرة على حساب الإنسان. إنه أمر سهل: كلّ ما عليك هو أن تنزع منه قيم الإنسان وتعلي لديه قيم الجماعة والمنهج. أن تمنحه الطريقة ولا تمنحه حق السؤال أو التفكير الجدّي.. أن تعزز في وعيه التهديد بالعقاب الجسدي والنفسي إن فكر خارج الصندوق! ليس أسهل من أن تنشئ كائنا خائفاً وتستبد به روحياً وفكرياً ثم لا تمنحه أية قيم متاحة يؤمن بها لتحرر عبوديته الذهنية. تلك هي الطريقة الأسهل لتشكيل قاتل أو تبعي.

بالرغم من الصعوبات التي يواجهها البشر اليوم في رحلتهم صوب معرفة النفس ومحاولاتهم أن يكونوا في أفضل حال روحي؛ إلا أن الكثير بات يشعر بسأمٍ شديد من كل المنظومات التي تحدث في وعيه فصاما كبيرا بين ما يتعلمه وما يعيشه على أرض الواقع، فيفرّ مذعوراً إما إلى الحياة الصّاخبة وإلى وسائل التواصل الاجتماعي للبحث عن نماذج ومعطيات وأفكار تلبي مطلبه الملح للتصالح مع ذاته، وإما الاندماج في أي فكر غير سوي ليمنحه الشعور بالأهمية محاولاً إيجاد حطام نفسه التي تبعثرت في غفلةٍ منه حتى ملأت هذا الكون الواسع. ذلك هو أنت، وهو، ونحن، والكثير من داخل الدائرة وخارجها.

الجيل الذي على وشك أن يكون هو الحاضر والتاريخ أيضا؛ يبحث عن الإجابات القاطعة التي تكون أساسا لفهم كل القيم والعالم الذي يستعبده ويفقده حريته والبعد الروحاني والتميز الفردي وحرية العيش والتفكير، وسيظل يفتقدها إن لم نعلم أبناءنا كيفية الخروج من دائرة القطعان والتبعية، وألا يقدسوا الأشياء على حساب الإنسان، كما حدث مع الشاب الذي قتل أمه لأنها حاولت ألا تنتمي للفئة التي يقدسها، ولأنه يقدس الفكرة كانت قيمة الإنسان عنده صفرا مقابل قيمة الأم أو الروح التي قتلها غيلة.

أن نعلمهم ألا يتحول القلب والعقل إلى آلتين لتدمير النفس لاحقا، هذه المهمّة ليست مهمّة علماء النفس والاجتماع فحسب؛ إنها عملنا نحن جميعاً بلا استثناء.