منذ مجيء الرئيس الإيراني، حسن روحاني، إلى سدة الرئاسة في إيران، تزايدت الآمال في حدوث تحول نوعي في السياسية الإيرانية، استنادا على دعوات الإصلاح التي كان يرفعها، وتزايدت هذه الآمال عقب توقيع الاتفاق النووي بين القوى الدولية وإيران، في الرابع عشر من يوليو، العام الماضي، إلا أن كل تلك الآمال ذهبت أدراج الرياح، ولم يتحقق منها شيء يذكر، حيث استمرت نفس سياسات الكبت الإيرانية، وزادت طهران من تدخلاتها في شؤون الدول العربية، ومحاولة افتعال أزمات فيها. كما شهد الداخل الإيراني تراجعا حادا في مجال حقوق الإنسان، وزاد عدد حالات الإعدام التي تم تنفيذها عام 2015 بكثير عن السنوات التي سبقتها، ووصلت إلى حوالي 2200 منذ مجيء روحاني للسلطة في يونيو 2013.

ورغم فوز من يسمون بالتيار الإصلاحي في إيران بالانتخابات البرلمانية، وانتخابات مجلس الخبراء، إلا أن الآمال التي كانت معقودة في تغير سياسة النظام بدأت في التلاشي لاعتبارات كثيرة، في مقدمتها سيطرة المرشد الأعلى، علي خامنئي، على كل مقاليد الأمور، واستئثاره بكافة مفاصل القرار السياسي، إضافة إلى تنامي نفوذ الحرس الثوري، وتدخله في كل الشؤون الداخلية، كذلك فإن رموز التيار الذي يزعم الإصلاح، هم من الأدوات الفاعلة التي يعتمد عليها المرشد لفرض قبضته المشددة.




استمرار السياسات العدوانية

يستبعد المبعوث الأميركي السابق للشرق الأوسط، دينيس روس، احتمالات أن تشهد السياسة الإيرانية تغيرا ملموسا على المدى القريب، وقال: "إن طهران تواصل نفس سياساتها العدوانية، دون أي تغيير في توجهها، فالمرشد الأعلى، علي خامنئي، يندد بالغرب، ويشارك في حرب كلامية ضد السعودية، ويفتعل الأحداث بالمنطقة، ويدعم استخدام حزب الله وميليشيات طائفية أخرى من أجل تنفيذ سياسات عدوانية لتوسيع نطاق نفوذ إيران في جميع أنحاء المنطقة. كما أن قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري، قاسم سليماني، هو الذي يرسم سياسات إيران في العراق وسورية ولبنان واليمن وينفذها. ويبقى خامنئي صانع القرار الرئيسي، فروحاني لا يسيطر على التنظيم القضائي أو الأجهزة الأمنية، بما فيها الحرس الثوري. وهناك مؤشرات أخرى على سلطات الرئيس المحدودة، حيث ترتفع عدد الإعدامات وتتزايد اعتقالات الصحفيين. وإذا أرادت الولايات المتحدة أن ترى تغييرا أكثر داخل إيران، عليها تطبيق المنطق نفسه الذي استخدمته لجلب الإيرانيين إلى طاولة المفاوضات النووية، وجعل الإيرانيين يدفعون ثمنا باهظا لسلوكياتهم السيئة، وأن يكون ثمن ما يقوم به الحرس الثوري في المنطقة واضحا وجليا. وهذا هو السبيل الوحيد لضمان تنفيذ الاتفاق النووي".


 





انتخابات بلا تأثير

قال الباحث بمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، مهدي خلجي: إن الافتقار لوجود أحزاب سياسية راسخة، يدفع النواب إلى التأثر بتصريحات المرشد الأعلى والحرس الثوري، وأضاف "من الأفضل تصنيف إيران ضمن إطار "الاستبدادية الانتخابية". ففي مثل هذه الأنظمة، لا تقل الانتخابات أهمية عن أجندة الدولة الاستبدادية، ولكن ليس للأسباب المعتادة. فالأنظمة تستخدم آليات مبتكرة لإدارة هذه الانتخابات وحث الناس على المشاركة فيما يُعتبر عملية تنافسية ظاهريا، وعلى الرغم من أنه لا يمكن التوقع بالنتائج الدقيقة دائما، إلا أنها لا تقوض جوهر النظام. هذا ينطبق بشكل خاص على إيران. فالانتخابات تخدم الطبيعة الاستبدادية للأنظمة وتعزلها عن الانتفاضات الشعبية. وبغض النظر عما إذا اعتبر المرء أن هذه الأنظمة عبارة عن "ديمقراطيات زائفة" أو "دكتاتوريات مُقنّعة" أو "استبدادية تنافسية"، فإن القاسم المشترك ما بينها هو خليط من الممارسات الديمقراطية والاستبدادية التي تغلق الباب بشكل فعّال أمام الإصلاح والثورة على حد سواء".




مسرحية توزيع الأدوار

كشف المحلل السياسي بصحيفة كريستيان ساينس مونيتور، جيمس جيري، أن ما يحدث في النظام الإيراني هو مجرد تبادل أدوار، مشيرا إلى أن المرشد الأعلى، علي خامنئي، لم يكن ليسمح بفوز الرئيس حسن روحاني، في الانتخابات لو لم يكن على وفاق معه، مشيرا إلى أن قادة من يسمون في إيران بـ"الإصلاحيين"، هم في الحقيقة أدوات يستخدمها المرشد نفسه لتحقيق رغباته، وقال: "لا وجود لمعتدلين في إيران، فالنظام له سياسة موحدة، يتبعها بأوجه متعددة، وقناعات مختلفة، حتى روحاني ورفسنجاني اللذان ينظر إليهما على أنهما من دعاة الاعتدال والإصلاح، لم يقدموا شيئا، وليس بمقدورهم اتخاذ أي قرار يتناقض مع توجهات خامنئي، وما يحدث هو أن النظام يريد خداع القوى الغربية بزعم وجود نزعة إصلاحية داخله، كما يريد في ذات الوقت امتصاص التوجهات الحديثة داخل المجتمع، وتهدئة القوى الشابة التي ترفض الكبت والتضييق، وإيهامها بأن هناك قيادات تؤيد مطالبهم، بينما هم في الحقيقة من أهم العناصر التي تزيد من قبضة المرشد على مقاليد الأمور بصورة أكثر تشددا".