أعمال العنف التي تشهدها الضفة الغربية والقدس، والتي يستشرف فيها المحللون احتمالات انتفاضة جديدة قادمة، إنما تأتي بعد إقرار جماعي تقريباً بانتهاء "عملية السلام" دون التوصل لحل، ويظهر الآن اتجاهان بين الفلسطينيين قد يُغيِّران شكل الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، هما:
1 - المؤسسات التي ظهرت على مدى عقود للتحدث بالنيابة عن الفلسطينيين فقدت لأسباب كثيرة حججها الأخلاقية في عيون شعبها، وهي إن كانت لا تزال على رأس السلطة إلا أنها فقدت فعلياً قدرتها على القيادة.
2 - بعد أن فقد حل الدولتين والدبلوماسية أهميتهما، هناك ميل لتأجيل المسائل الخاصة بالحلول لصالح التكتيكات وأشكال جديدة للمقاومة والمقاطعة التي يمكنها أن تحسّن الموقف الفلسطيني.
لم تعُد "الدولة" إذن هي محور الحديث في المناقشات الفلسطينية، فبعد النجاحات التي حققها الفلسطينيون في القرن الماضي بتأسيس حركة وطنية تمكَّنت- دون أن تمتلك القوة- من أن تبني المؤسسات وتغرس الشعور بالهوية الفلسطينية وتعمل من أجل المصالح الوطنية الفلسطينية وتمثيلها دولياً وتحصل على الاعتراف الدولي، كالاتحاد الدولي والولايات المتحدة وإسرائيل، كطرف محاور على المستويات العربية والإقليمية والدولية، وبلغت هذه المفاوضات أوجها بتوقيع اتفاقية أوسلو وما تلاها من إجراء انتخابات لرئاسة السلطة الفلسطينية، وصياغة وسن التشريعات، وكتابة المناهج الدراسية والحصول على الكثير من المساعدات الدولية، إلا أن المرحلة التالية شهدت فشل العملية الدبلوماسية ووصولها إلى طريق مسدود في إنجاز مشروع الدولة. وشهدت أيضاً ذبول الأحزاب السياسية، وكثير من ممارساتها دفع الفلسطينيين لاتهام قادتهم بأنهم كانوا جزءا غير واعٍ من الاحتلال الإسرائيلي.
إزاء هذه الظروف حوّل الفلسطينيون في نقاشاتهم التركيز على الأهداف والاستراتيجيات ليكون التركيز في الحصول على الحقوق الأساسية، متجنبين مسألة الأهداف النهائية لحين ظهور توافق جديد في الآراء.
القادة الفلسطينيون يعون هذا جيداً، غير أنهم مقيدون بسبب العجز الدولي والواقع القاسي، وهم يحاولون إزاء الأحداث المتصاعدة في القدس والضفة الغربية البقاء في الجانب الصحيح من المزاج العام المستاء أصلاً من الدبلوماسية والمؤسسات.
هنالك دراسة تقول إن إحياء المجلس الوطني الفلسطيني "برلمان المنفى الذي اجتمع لأول مرة في 1948 وعقد اجتماعات متفرّقة منذ ذلك الحين"، ربما يكون المكان المناسب للوصول إلى صيغة توافق، لكنها تعلق ذلك على نجاحه في تكوين هيئة تفلت من سيطرة فتح، وتتقاسمها مجموعة متنوعة من الأطراف الفاعلة.
وتدعو الدراسة إلى أن تغير الأطراف الدولية الفاعلة نظرتها إلى المؤسسات الفلسطينية، وتضع الأساس لحلول يُمكن لقادة المستقبل تبنيها، وأن تدعم السياسة الفلسطينية بالحماية التي تحتاجها لبناء هياكل تتحدث بصوت وطني موحَّد. مؤكدة أن الصراعات الحالية في العراق وليبيا وسورية واليمن تظهر الفظائع المحلية والمضاعفات الدولية التي تنشأ عندما تتفكّك الدول. وتحذر في حالة استمرار الاتجاهات الحالية، من أن تُصبح فلسطين دولة فاشلة قبل حتى أن تكون دولة حقيقية. وهنا لن يكون الفلسطينيون وحدهم من سيدفع ثمن هذا التطور.