تتراكم الأدلة الآن على أن تنظيم "داعش" يتجه إلى الانقراض، وأنه يتعرض للرد على الأعقاب والتفكيك -تدريجياً وإنما بعناد- على الرغم من التقدم الذي يحرزه هنا وهناك. وعندما ينتهي كجيش جيوسياسي عاكف على التوسع الإقليمي والشمولية الدينية، سيتحول داعش إلى نوع من تنظيم "القاعدة 2"، بمعنى أن يكون شبكة إرهابية عابرة للحدود، والتي ستكون أكثر اتساعاً، وتفصيلاً وخطورة من تنظيم القاعدة (باستثناء أحداث 11 سبتمبر 2001)، وإنما التي لم تعُد قوة شبه دولة تهدد بزعزعة استقرار كامل الشرق الأوسط.

ربما يؤسس داعش، مثلما فعل تنظيم القاعدة 2 كيانات إقليمية محلية جديدة في المناطق النائية، مثل الجهود المبذولة لإقامة متجر محلي للتنظيم في ليبيا، على سبيل المثال. لكن أي مؤسسة من هذا القبيل ستكون تحت الهجوم المتواصل، ومن غير المرجَّح أن تنجو مع مرور الوقت. فقد رأت القوى الخارجية الكبرى أن الدول الفاشلة والمناطق غير المحكومة في الشرق الأوسط الكبير تُشكل خطراً غير مقبول على مصالحها الحيوية الأساسية. وبالتالي، تتحرك هذه القوى في اتجاه تجميد الحروب الأهلية وفرض النظام على المناطق، وتشكل سورية الحالة الأولى.

وهناك بعض المؤشرات الأخرى على تلاشي داعش، فلقد قتلت ضربات الطائرات من دون طيار العديد من كبار قادة داعش العسكريين وآلاف المقاتلين. وربما وصل مجموع المقاتلين الأجانب الذين يسافرون إلى سورية والعراق للانضمام إلى داعش على المدى السنوات القليلة الماضية إلى نحو 36 ألفا. ومع ذلك، وبالنظر إلى الآلاف الذين قتلوا أو أصيبوا أو انشقوا، فإن أعداد داعش اليوم ربما لا تزيد على 20 إلى 30 ألفاً من المقاتلين الذين يُشكلون نواته الأساسية. وبالنظر إلى غياب أي نشاط عسكري يعتد به في الأشهر الأخيرة، فإن عدد المتبقين من مقاتلي داعش يُمكن أن يكون أقل من ذلك.

إضافة إلى ذلك، تم طرد داعش الآن من العديد من المدن والبلدات الكبيرة التي كانت قد استولت عليها (تكريت، وسنجار، وبيجي، والرمادي). كما تمت استعادة موارد استخراج البترول وتكريره وشحنه، خاصة في مجمع "بيجي" النفطي الرئيسي، أو أنها دُمرت.

والواقع الآن، أصبح "داعش" يُقاتل في كل هذه الأوضاع على جانب الدفاع، وليس الهجوم. وإذا لم تكن قوات التحالف، سواء من خلال الضربات الجوية أو عمليات القوات العراقية والكردية البرية، مهتمة كثيراً بالحد من الخسائر المدنية، فسيكون من الممكن تدمير "داعش" في غضون بضعة أشهر. وكما هو حاله، فإن افتقار تنظيم داعش إلى الشواغل الإنسانية فقط هو الذي يجعل المضي قدُماً في هزيمته أبطأ وأكثر وعورة. وبشكل عام، لم يحقق التنظيم أي انتصارات عسكرية يعتد بها على مدى الأشهر الستة الماضية.

وسيأتي زوال "داعش"، سواء بالضجيج أو الحفيف، بالهزيمة الكاملة أو التفكيك من الداخل، بعد فترة من الاحتواء. وفي الحالتين، يُمكن أن تكون هزيمته ذاتية في نهاية المطاف، حيث يسعى القادة إما إلى "الشهادة" بقتل بعضهم بعضا، أو بالهرولة بحثاً عن مخرج.