كانت صدمة هائلة ومدوية للرأي العام أن يكتشف من بيان وزارة الداخلية قصة خيانة أول جندي لزملائه ووطنه في كل التاريخ الأبيض الطويل للحياة العسكرية السعودية. ومع هذا لن تطمس ولن تحجب أفكار الضلال ثقتنا المطلقة في الولاء والوفاء لمئات الآلاف الذين مروا أو لا زالوا على رأس المهمة. هنا يبرز السؤال الأهم: كيف نقرأ خريطة "التوزيع" الوطنية في جذور ومنابت الأسماء التي وردت في هذا البيان؟ والجواب البدهي أننا أمام موجة مختلفة من شكل الشبكة وتشابك وامتداد الخريطة. كنا فيما سبق نلحظ بوضوح أن الخلية الإرهابية الواحدة تبدأ وتنتهي في الغالب عبر البناء الشبكي لأعضائها اعتمادا على التقارب الجغرافي، فلا تسمح بالامتداد والتوسع باستقطاب أفراد من خلفيات ثقافية بعيدة، ربما خوفا من الانكشاف أو بسبب فقدان الثقة. طبعاً، هنا أتحدث عن الخلايا الإرهابية لا عن قوائم المطلوبين.
في الخلية الجديدة، نلاحظ بوضوح ما يلي: المجرم حامل الحزام الناسف من الجوف. الذي نقله إلى أبها من المدنية المنورة، وبترتيب من مجرمين في خميس مشيط. بدعم لوجستي من فردين من شرق شرورة وآخرين من محافظة النماص. الأسماء الأخرى الواردة في ذات البيان تعود لثلاث مناطق مختلفة. وبالطبع نشهد دخول المرأة، وللمرة الأولى كشريك فاعل وجزء جوهري من مراحل القصة، بعد أن اعتدنا عليها سابقاً كمجرد داعم لوجستي. قراءة توزيع الأسماء في هذه الخريطة قد تفضي إلى استنباطين مختلفين متناقضين: إما أن الشبكات المغلقة والمحدودة في الغالب أسماء من مناطق متجاورة في الغالب قد انتهت تبعاً للملاحقة وتضييق الخناق الأمني على هذه الشبكات ما جعلها تلجأ إلى خيارات بعيدة في التوظيف والاستقطاب، وإما وعلى النقيض أن المسرح بات واسعاً ومكشوفاً أمامها، وهذا مؤشر بالغ الخطورة لأن هذا يعني انكماش المساحات الضيقة تحت ثورة وسائط الاتصال. بقي من اللافت في القراءة الثانوية للخريطة تكرار الأسماء في الآونة الأخيرة من بعض المحافظات الثانوية بالتحديد. خذ بالمثال أن خمسة أسماء في الخلية الأخيرة لتفجير مسجد طوارئ عسير جاؤوا ونشؤوا وتلقوا تعليمهم الأساسي في محافظتين تشهدان في الأعوام القليلة حركة نشطة. هنا لا بد لنا أن نسائل كثافة الخطاب وتوعيته وأيضاً ما يحدث في قوالب التعليم وبرامجه وأنشطته. خرائط الجرائم جزء أصيل من تحليل الظاهرة، وكل ما أخشاه أننا لا نلتفت لمثل هذه الإشارات بقدر ما تستحق. انظروا لذات الخريطة في أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وأيضاً في تفجيرات مترو لندن وأخيرا ما حدث في باريس.