تتميز بيانات وزارة الداخلية بدقة اختيار المفردات. فتأتي بياناتها واضحة تماما، دون مخاتلة، ودون أن تترك خلفها أي مجال للتأويل، أو الاجتهاد في التفسير. بيانات تكتب بلغة أشبه ما تكون بالحسابية 1+1=2.
في بيان وزارة الداخلية حول تفجير مسجد محاسن الأحساء ورد القول: "إن وزارة الداخلية إذ تعلن ذلك لتؤكد أن الجهات الأمنية ستواصل جهودها في ملاحقة وتعقب كل من له صلة بهذا العمل الإجرامي، سواء أكان بالتنفيذ أو التخطيط أو الدعم أو التحريض، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة"..
هذا أمر مهم تقوم به وزارة الداخلية مشكورة على مدى سنوات.. الأمر واضح: إن وجدت الوزارة شخصا له علاقة بهذا العمل ستقبض عليه ولا يمكن أن يفهم مطلقا أن الوزارة تعرف أحدا من الواقفين خلف هذا العمل أو المحرضين عليه، وتغض الطرف عنه، وهي التي عانت وتضررت قبل غيرها من هذه الأعمال. جهود الوزارة كبيرة، ولا نملك إزاءها سوى الدعاء لأبنائنا في قوات الأمن بـ"الله يقويكم"..
الذي أبحث عنه حتى الآن هو ذلك المحرّض.. الرجل المقنّع، الذي ما إن يحدث عمل من هذا النوع حتى يبدأ البعض في الحديث عنه.. وتوجيه أصابع الاتهام إليه.. فتمتلئ أحاديثهم ومقالاتهم باجترار مفردة "تحريض" ومشتقاتها: يحرّض.. حرّض.. محرّض..!
والغريب أن هذه المشتقات تخرج في حوادث مُعيّنة دون سواها.. تبعا لمكان الحدث ومساحته الجغرافية.. أمس مثلا، استشهد قائد دورية أمن ومرافقه في إطلاق نار من مسلحين مجهولين، أثناء قيامهما بمهامهما لمتابعة سيارة نقل أموال في سيهات.. استعرضت مواقع التواصل.. بحثت عن مشتقات "التحريض" فلم أعثر على شيء.. لم أجد أحدا يتهم أحدا بالتحريض -سبحانك يا الله- فبعض الجرائم تحدث بدافع شخصي بحت! على أي حال، يفترض أن تبادر الجهات الأمنية لمساءلة أي شخص يتهم أشخاصا آخرين بالتحريض دون أن يذكر أسماءهم صراحة. نريد أن نعرف هؤلاء المحرضين.. من هم.. من هو المحرض الذي تجترون اسمه عند كل حادثة.. ومتى -باليوم والتاريخ- حرّض على التفجير في (الداخل)؟
أين مارس التحريض على قتل وترويع الناس في (بلادنا)، على أي منبر، وفي أي قناة؟
السكوت عن هؤلاء يُفضي إلى تشتيت انتباه الناس عن المحرّض الرئيس.. ويؤدي إلى تبرئة ساحة العدو الحقيقي.
المعلومات التي يعرفها الصغير قبل الكبير، تؤكد أن هذه الأعمال تحدث بتحريض خارجي صِرف.. والمعلومة لا يتم دحضها إلا بمعلومة.