هناك مقولة لميكيافيلي أصبحت مضرب مثل تقول إن "الغاية تبرر الوسيلة" تستخدم للتعبير عن الانتهازية وانعدام الأخلاق للوصول إلى الغاية المراد تحقيقها بصرف النظر عن الثمن الذي قد يدفعه البعض من فقدان للروح أو للحقوق أو المبادئ.

أتذكر المقولة كلما تجدد الجدل الإعلامي حول قضية ما إذا كان الإعلام كعمل مهني يجب أن يلتزم بجميع حدود الأخلاقيات الإنسانية، أم أنه مطالب بحكم طبيعته وأهدافه بأن يكون متجردا وداعما للحقيقة، بصرف النظر عن وحشيتها ولا إنسانيتها والتي قد تصل أحيانا إلى تسليط الضوء على السادية بأبشع وأكمل صورها.

دار حوار تويتري قبل أيام حول هذا الأمر شارك فيه عدد من الشخصيات المهتمة بالشأن الإعلامي، منهم الدكتور سعود كاتب المتحدث الرسمي لوزارة الإعلام، والدكتور عبدالرحمن الخريجي الأكاديمي وأستاذ الإعلام وغيرهم، حيث تنوعت الآراء بين رأي رفع رايته الدكتور سعود يرى بأن استخدام الإعلام لصور أشلاء الأطفال في تغطياته الإعلامية أمر -من الناحية الأخلاقية- غير أخلاقي، مضيفا أن من منا سيقبل أن تنشر صور أبنائه، لا سمح الله، في مثل هذا الوضع المريع! بينما أخذ الدكتور الخريجي رأيا يميل إلى تجرد الإعلام من النوازع الإنسانية كونه يعمل في مجال كشف الحقيقة بصرف النظر عن بشاعتها.

بين الرأيين يكمن رأي ثالث تبنيته شخصيا في ذلك الحوار محاولا من خلاله أن أكون أكثر واقعية، خصوصا في إسقاطه على إعلامنا المحلي الذي ما زال حائرا في هويته المهنية، فقبل أن نصل إلى تلك المكانة المهنية التي يكون فيها النشر مبنيا وفق نهج احترافي يضع الخبر والصورة في ميزان الوسيلة ومحيط النشر وطبيعة المتلقي، علينا أن نبدأ بالأمور من منظورها الملاصق لنا وأن نتوقف عن نشر صور الأيتام مع المسؤولين بذريعة التبرع والتكرم ودعم هؤلاء المساكين، فكما أننا لا نقبل أن ننشر أشلاء الأطفال القتلى علينا ألا نقبل بأن نقتل مستقبل أطفالنا بتحميلهم كرما مصطنعا سيلاحقهم حتى آخر يوم في حياتهم.

لنتوقف عن نشر أخبار الفقراء وتسليط الضوء على كرام الشاشات، ولنتوقف عن التعامل مع التبرعات باعتبارها منة على المحتاج، وعلينا أن نتذكر أن ذلك يدخل في باب الرياء و"من ستر مسلما في دنياه ستره الله في آخرته"، ولنبدأ بمراقبة مكيفيليتنا الإعلامية قبل أن نناقش انتهازية إعلام أقل ما يقال عنه إنه تجاوزنا مهنيا.