قبل أن ينفض سامر – السحر وتلبس الجان – من حول قاضي المدينة المنورة، أريد أن أسأل عن الراقي الذي تحدث للصحف وكشف عن أن القاضي مسحور دون أن يطلب منه أحد ذلك، هل من حق الراقي أن يفعل ما فعل، وهل يستحق المحاسبة عما صرح به من أقوال أصبحت مادة للتندر والسخرية؟
إنني أسأل لأن القاضي محور القضية نفى أن يكون مسحورا ونفى أن جهات التحقيق استدعته وقال إنه في إجازة مرضية عادية تم تمديدها، ومع هذا استمر الراقي يواصل تصريحاته وتأكيداته ويستشهد بأعضاء من هيئة الأمر بالمعروف لم يسمهم، ويستند إلى أعضاء آخرين من هيئة القصيم لم يسمهم أيضا.
أليس مثيرا للتساؤل دخول الراقي علنا على خط قضية فيها اتهامات بمئات الملايين وصرف الانتباه عن صلب القضية إلى هامش مثير للتندر والسخرية دون أن يطلب منه أحد ذلك، وحين أقول دون أن يطلب منه أحد فإنني أقصد الجهات الرسمية المعنية بالتحقيق، وأقصد القاضي محور القضية الذي نفى أنه مسحور.
منذ وقت قريب وبعد أن انتحر أحد الأساتذة المشهورين تحدث أحد الأطباء النفسيين لإحدى الصحف كاشفا جوانب من معاناة الأستاذ النفسية، فثار عليه كثير من الأطباء واتهموه بانتهاك شرف المهنة وأمانتها، وحثوا أهل المنتحر على رفع قضية على ذلك الطبيب على اعتبار أن أسرار المرضى خط أحمر ولا يجوز كشفها لأي أحد إلا لجهات رسمية ينظم القانون والنظام أسلوب تدخلها وحقها في الاطلاع على تلك الأسرار، فهل مثل هذا الأمر ينطبق على الرقاة الذين يتلون القرآن على مرضاهم، ويزعمون أو يتوهمون أنهم يستنطقون الجن على ألسنتهم.
لقد لفت نظري أن الراقي تبرع بالحديث عن حالة القاضي الحقيقية أو المزعومة، وهذا التبرع من قبله لابد أن له دوافع وأهدافا نتعشم أن يتكرم ويوضحها للناس طالما أنه أبلغهم بحال نفاه القاضي، ولا يعقل أن تستند إليه لجان التحقيق سواء كانت من الشرطة والمباحث أو من الهيئة القضائية ومجلس القضاء، فلماذا بادر الراقي وأعلن ما أعلنه وهل هو طرف في القضية الأساسية المليونية أم لا؟
واستطرادا لحكاية راقي المدينة هذا، متى ننتهي من ظاهرة الرقاة في بلادنا؟ فهم يعملون بلا تراخيص ولا أحد يمنعهم، وهم يطلعون على أسرار خلق الله الذين يصدقونهم ويلجأون إليهم طلبا للشفاء، وهم قد يتجرأون كما تجرأ هذا الراقي على كشف تلك الأسرار التي يطلعون عليها طلبا لشهرة وانتشار وربما لأهداف أخرى لا يعلمها إلا الله، فهل من المعقول والمقبول أن تكون عيادات الرقاة ومفسري الأحلام وباعة الأوهام في بلادنا أكثر من عدد الأطباء والعيادات والصيدليات ومحلات العطارة، إنه لأمر محير يستدعي التوقف والتفكير والتأمل فهذه الظاهرة لها دلالاتها التي آمل أن يقوم أحد أقسام علم الاجتماع في جامعاتنا بدراستها، وإبلاغ مجتمعنا إلى أين يسير به الرقاة ومفسرو الأحلام وزراع الأوهام، ولا حول ولا قوة إلا بالله.