تابعت باهتمام، ومن الداخل الصيني، تغطية وسائل الإعلام الصينية زيارة الرئيس الصيني للمملكة وإيران.

ففي الوقت الذي ركزت التغطيات الإعلامية الصينية على أهمية زيارة  الحكومة الصينية للسعودية، واحتفت بضخامة الاتفاقيات الموقعة مع السعودية، كانت التغطية لزيارة الصين لإيران تعرض بنوع من عدم الاهتمام أو التجاهل، أو قد نفسر ذلك في أحسن الأحوال أن ضخامة واستثنائية الاتفاقيات الموقعة ما بين الرياض وبكين سلبت اهتمام الإعلام الصيني، عن الاتفاقيات الموقعة بين الصين وإيران التي تعدّ اعتيادية في أي زيارة رسمية بين أي دولتين.

لذلك، أدهشتني مبالغة وسائل الإعلام الإيرانية في تضخيم زيارة الرئيس الصيني لها، فوجدتها تستغل زيارة الرئيس الصيني للترويج، عبر وسائل الإعلام، بأن الصين تتطلع إلى بناء علاقات أوثق معها عقب الاتفاق النووي، مؤملة أن يعتقد المجتمع العالمي بأن الاتفاق النووي يحسب نجاحا لها، وكأنها لا تعلم بأننا نعي جيدا أن الصين هي إحدى دول القوى العالمية الست التي ضغطت عليها وأجبرتها على توقيع اتفاق يهدم خططها وحلمها في الحصول على سلاح نووي، وأنها أرغمتها على التوقيع في مقابل رفع الحصار الاقتصادي الذي أنهكها وجعلها تسارع للتوقيع على اتفاقية البرنامج النووي مجبرة، وبعهدها بفترة قصيرة وقعت الصين مع السعودية مذكرة تفاهم لإقامة مفاعل نووي لثقتها في سياسة حكومة السعودية التي تسعى إلى زرع السلام في المنطقة.

دائما ما تروج إيران، عبر وسائل الإعلام، بأن الصين تنحاز لها سياسيا ودبلوماسيا ضد الدول العربية والإسلامية، وكل ذلك مجرد وَهْم، ورغم أن هواجيو فينج، زعيم الحزب الشيوعي الصيني سابقا، هو أول من عمل على تحسين العلاقات مع إيران، واعترف بالثورة الإيرانية بعد ثلاثة أيام من قيامها، وحسنت علاقتها مع طهران خلال مبيعات الأسلحة التي استخدمتها إيران في حربها مع العراق عام 1980، إلا أن ذلك لم يدم طويلا حتى ربطت  السعودية علاقاتها الدبلوماسية مع الصين عام 1990، ونجحت في أول اتصال دبلوماسي مع بكين على شراء أسلحة من الصين كانت تقتصر بيعها على إيران، مما أدى ذلك إلى قلب القوى في المنطقة لصالح السعودية، وجعلت إيران تُفاجأ بأن الصين تبيع أسلحة قوية للسعودية ترجح قوتها عليهم، ويتجاهل الإعلام الإيراني أيضا، وبشكل متعمد، خلال ترويجه للعلاقات الاقتصادية الإيرانية الصينية،  بأن الصين باتت تتعامل بحذر بشأن الاتفاقيات الاقتصادية مع إيران  لسببين: الأول، هو خشية تكرار الخسائر التي تعرضت لها الصين بسبب تهور الحكومة الإيرانية وأطماعها السياسية في المنطقة، مما عرضها إلى عقوبات اقتصادية بشأن الملف النووي، أدت إلى عجز عدة شركات صينية مثل شركة CNPC وCNOOC وZHENRONG عن تنفيذ اتفاقياتها المبرمة مع إيران.

السبب الثاني: أن الصين تخشى خلال تعاملها مع إيران أن يتكرر ما حصل لها من خسائر في ليبيا تقارب الـ18 مليار دولار بعد عام 2011، لأنها تعلم أن الداخل الإيراني غير مستقر، وأن الشعب الإيراني من الممكن أن يثور في أي لحظة، إثر معاناته من بطالة مليونين و200 ألف شاب من خريجي الجامعات، ويعاني ارتفاع نسبة الفقر، وغير راض عن سياسة إيران الداخلية التي تقمعه، وسياسته الخارجية التي تحول خيرات الميزانية لصالح دعم الميليشيات الإرهابية، وإرضاء أطماعها السياسية.

في الوقت الذي زارت الصين السعودية لتنمي اقتصادها عبر افتتاح مشاريع جديدة، وتوقيع اتفاقيات مهمة، وتدشين مشروع "ياسرف" وهو المشروع المشترك ما بين أرامكو السعودية وساينوبك الصينية، ويعدّ المشروع الأفضل على مستوى العالم لعام 2015، وفقا لجائزة بلاتس العالمية، فإنها ذهبت إلى إيران لمعالجة خسائرها التي خلفتها فترة العقوبات الاقتصادية على إيران، وفي الوقت الذي زارت الصين السعودية لتوقيع اتفاقية تعاون نووي، واثقة من أهداف السياسة السعودية لاستخدامها سلميا، فإنها زارت إيران بعد أن أرضختها على توقيع اتفاقية تهدم حلمها النووي الذي كانت تنوي فيه مزيدا من السلطة، لهدم المنطقة ونشر الفوضى فيها.

علاقتنا مع الصين مبنية على مبدأ الشفافية والمصارحة، ولا تمس  كيانات دول أخرى، ولا تهدد وجودهم الديني والقومي أو كياناتهم السياسية، عكس إيران المراوغة في علاقتها مع القوى العالمية، وما مناقشتها مع الرئيس الصيني خلال زيارته الأخيرة، قضية الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط، وكأنها تنأى بنفسها عن رعايتها الإرهاب، ودعمها الميليشيات المسلحة التي تسفك دماء الأبرياء في اليمن وسورية والعراق ولبنان. إلا أكبر دليل على أن علاقاتها الدولية مبنية على الكذب والخداع.