إن الأمر الشاق الذي لا تستسيغ تجرع مرارته هو الخيانة في حادثة قتل رجل الأمن والتي عجز العقل عن تفسيرها بمشهد انهارت فيه جميع القيم والأخلاق، ولم نسمع ولم ينقل في الأمة أن الرجل يقتل بسبب مهنته ووظيفته. لقد تجاوز المشهد أن تبحث في حدود المعقول سوى أنك تفتش في أساطير الأولين أو الخيال عما هو نوع هذا الفكر المنحرف الذي سرى في عقولهم وفي مخ عظم هؤلاء الخونة وتغلغل في أعماق قلوبهم. لا نصدق أن القريب يغدر بقريبه بسبب مهنته الوظيفية، والموضوع لا يقف عند حد أن هؤلاء حولوا الدين إلا تدجيل وجسور يعبرون بها إلى جرائمهم.
إن الموضوع تحول إلى صورة خيانة لا تقف عند حد الغدر برجل الأمن، بل هؤلاء خانوا أسرهم التي تربوا في كنفها! وخانوا الأرض والسكك والأزقة التي لعبوا ومرحوا فيها! خانوا المدرسة التي ذهبوا وعادوا منها! خانوا العلم وخانوا المعلم! وخانوا الوطن وخانونا جميعا.
من يظن أن هؤلاء خوارج بالصورة النمطية السائدة فهو واهم! إن داعش ميليشيا غير تقليدية ولدت في أوضاع مضطربة فتكونت لها مصالح وإستراتيجيات وارتباطات باستخبارات دولية وإقليمية وهي ورقة تستخدم في الصراعات الإقليمية والدولية كوسيلة ضغط بأعمالها الإرهابية، لتتيح لمن يديرها من الأطراف الإقليمية التنصل من التنديد الدولي، وهذا جزء من الصراع الدائر بيننا وبين أعدائنا.
لقد لعب الخطاب الداعشي الدور الكبير في استدراج بسطاء العقول والسذج بالحماسة أو النخوة الدينية نحو الارتباط به فكريا ووجدانيا ولو خارج الحدود التي يمرح ويسرح فيها داعش بكل أمن من أن تنالها الطلعات الجوية الروسية التي لم تتوقف قذائفها على رؤوس الأبرياء والمدينين.
وعودة إلى سناريو الغدر وقبل أن نقرأه يجب علينا أن نتذكر أن هذه ثالث حادثة خيانة وهذا يعطينا مؤشرا إلى أن هنالك خللا في إدارة الوعي المجتمعي، والسؤال الذي يطرح بعفوية ضمن هذا السياق: كيف يدار الوعي في المجتمع؟ وما هي البرامج؟ وكيف نزرع وعيا كافيا لشبابنا يجعلهم يفرزون ما يتلقون من شبكات الإنترنت هذا خطأ وهذا صواب هذا الذي يجب أن ندركه جميعا أفرادا ومؤسسات؟
يجب أن نفهم أن الموضوع ليس مجرد فكرا منحرف. إن الموضوع كيف وظف هذا الفكر المنحرف لضربنا من الداخل وإرباك المنظومة الأمنية للمجتمع وهذا هو مربط الفرس، وليس بعد هذه الإشارة من كلام سوى أن نقول –يرحمك الله – يا رجل أمننا البطل وسنكون كلنا من بعدك رجال أمن لهذا الوطن.