"أخطر أسلحة القرن الواحد والعشرين، الاختراع رقم واحد الذي غير مسار التاريخ، هو جهاز الإعلام".
الكاتب المصري مصطفى محمود في فصل من فصول عمله الرائع "أيها السادة اخلعوا الأقنعة" تساءل ما إذا كنا وصلنا إلى نقطة انعدام الرؤية والغيبوبة العقلية، فقد ناقش جانباً مهماً نعيشه الآن واقعاً في مجتمعنا العربي، فيروساً اجتاح عقولنا أو ربما خليةً سرطانية باتت تسكن جسد ذلك الواقع حتى تقضي عليه.
هل وصلنا إلى نقطة انعدام الرؤية؟ الرد على مقصد هذا السؤال أصبح واضحاً، فقد اتفق العرب على أن يختلفوا، كتبوا على أنفسهم الشتات، سمحوا لعدوهم بالاستعلاء، حاولوا هز شوكة هذا الدين العظيم فباءت جميع محاولاتهم بالفشل، رأوا ضعف شوكتكم أيها العرب فكسروها، أشعلوها بينكم وتركوكم ببعضكم تنهشون، حربٌ طائفية في لبنان شمالها يضرس على جنوبها، يمني يقاتل يمنيا، الشعب السوري يلقى حتفه من الجيش السوري، رجلٌ يزعم أنه اعتنق الإسلام يستمتع بتعذيب رجلٍ لا يشهد مع الله غيره، فقط لأنه مختلفٌ معه طائفياً، يعادي أخاً له في الإسلام لم يسلك مذهبه، فتنٌ طائفية، حقدٌ وشجارٌ وانقسام، اختلط الحابل بالنابل فأصبحت ثقافة النزاع هي السائدة، "لقد سقط جدار الرعب وانشغل الفلسطيني بالفلسطيني، ونحن على شفا جرف.. إما أن ننجو وإما أن نهلك".
لقد نجح الخصم في إشاعة البلبلة وإثارة الفتن فكنا أسهل مما يظن، كسرنا قاعدة" الكثرة تغلب الشجاعة"، فلم تنفعنا كثرتنا ولم تضرهم قلتهم وضعفهم، تسللت أهدافهم قاصدةً صغار العقول، دمروا أفكارهم، غسلوا أمخاخهم، غيروا معتقداتهم، خلقوا مفاهيم زائفه تحت اسم الدين، فأصبح الشباب منومين مغناطيسياً، يحركونهم يمنةً ويسرة بريموت كونترول.
"الحرب العصرية هي أن تجعل خصمك يقتل نفسه بنفسه بدلاً من أن تكلف نفسك بمشقة قتله"، لقد أصبحت موضة الأحزمة الناسفة هي الأحدث، غسيل مخ، تبديل أفكار، انسلاخ عقائد، فتتكون عقيدة تؤمن بأن الانتحار أسرع طريق إلى الجنة، فعلى سبيل التخلف يرتدي ذلك الأهبل حزاماً ناسفاً قاصداً به مسجداً فيفجر نفسه والمصلين، "لو كان الحزام الناسف طريقاً مختصراً للجنة لما تركه الذي أرسلك به".
إنه مجرد طاعةٍ عمياء، إنه مجرد انعدامٍ للرؤية.