كان آخر سماعي وقراءتي لأقوى نداء، هو في كتاب كتبه الدكتور مصطفى محمود "رحمه الله"، والذي أرسله إلى المسلمين والعرب وإلى الأمة كافة "إسرائيل البداية والنهاية". إذ عرَّى فيه كل خطط وجرائم وأساليب الصهيونية ودولة الاحتلال، فدعا في أكثر من مناسبة إلى رفع هذه الغمة السياسية والكذبات الخطابية التي تدعو وتسوق لها إسرائيل ودول الغرب "أسطوانة السلام المخروقة والمزعومة"، مما جعل هذه المدعوة إسرائيل ترفع احتجاجات إلى دولة مصر بإيقاف هذه المقالات.
حقيقة، نحن اليوم في حاجة إلى تجديد النداء، وتجديد هذه الصرخة، وإلى إعادة فضح كل المخططات والجرائم التي فعلت، والتي تنوي فعلها، من اغتصاب الأرض وتدنيس الأقصى وأسر الأحرار وتجويع وقتل الأطفال والشيوخ، وتضليل الإعلام وإغلاق المعابر. وبوقاحة تدّعي السلام وتدعو إليه في كل مناسبة، بينما هي أبعد ما تكون عنه.
إن من أكبر أسباب انتهاء الحروب في الشرق الأوسط، وزرع الفتن في كل الأنحاء، يبدأ من إسرائيل، فماذا أوجد لنا وجود هذه الدولة المحتلة عبر المنافذ والمعابر إلا المخدرات والجواسيس والدولارات المزيفة والأفلام الجنسية والأغاني الخليعة ومحترفات الدعارة؟
وإن معظم أزمات الشرق الأوسط بسبب ما تقوم به إسرائيل التي زرعت بيننا منذ عشرات السنين، ليست لأنها أرضهم، ولكن لأننا نشكل خطرا عليهم كما يدّعون في كل حين، ومنها أزمة الإسلاموفوبيا التي يتناقلونها من حين إلى آخر.
إنها ابنة ولدت من علاقة غير شرعية أبدا، ومع ذلك دُللت وذللت لها كل المصاعب وكل وسائل الطغيان والجبروت، من سلاح وإعلام وجيوش وأموال.
لا يهمنا تاريخها المشوه أبدا بقدر ما يهمنا أن نعي وندرك خطر وجودها المستقر والمتمدد إلى اليوم على الكرة الأرضية، وانتهاكاتها المستمرة، لا سيما في أراضينا، أرض الديانات وقبلة المسلمين الأولى، يهمنا أن يتحطم هذا الوجود من الوجود، وأن يستأصل هذا المرض والورم الخبيث من بيننا دون رجعة،
"إننا نلعب على أرضنا والمستقبل مستقبلنا مهما طال الصراع، أما مصير الدخلاء الغاصبين فهو الرحيل إلى بلادهم طال الزمان أو قصر".
حقيقةً، الخوف لا يصنع أحدا، والهالة الإعلامية الإسرائيلية "أوهن وأضعف من الحالة التي تصنعها لنفسها"، وأضعف من التي تُصنع لها أيضا.
الحديث عن إجرام هذه الدولة لا ينتهي، وربما يستغرق مجلدات تاريخية، وإنما ما قلناه هو تجديد نداء ودعوة من سبقونا، فلا بد أن نعمل على الوحدة والتكاتف الإسلامي والعربي، لرفع الظلم وحماية الأقصى، ولرد المظالم إلى أهلها، وإنقاذ الأنفس التي تزهق في كل مرة دون أي قرار دولي، "قد تنازل العرب عن كثير ولم يبق إلا أن يتنازلوا عن هويتهم ومواقع أقدامهم".
نريد أن ننشر السلام في أراضينا، وأن نشيعه للعالم أجمع. قضيتنا يا سادة يا أهل العقول والقلوب، لا بد ألا ننساها، وأن نعلمها أجيالنا الجديدة، وأن نخبرهم عن هذا الغاصب، وأن الأرض والمسجد وكل شبر هو لنا، نعم "قد نعيش ألف هزيمة لكن لا يجوز أن نُهزم".
إن الطُغيان إذا لم تصده عن شريكك في الحياة في الدين في الوطن وفي الإنسانية، فإنَ نارهُ ستصلك، والدورُ يتوالى، وإن السلام إذا ما أرسل أشعته إلى العالم، فإن نوره سيظل إلى الأبد.