يقول الدكتور الجامعي شلبي ستيل مؤلف كتاب "العار": العار التاريخي هو الذي لحق بالبيض في أميركا بسبب اصطيادهم الزنوج في إفريقيا، ونقلهم إلى أميركا، واستعبادهم، وشرائهم وبيعهم. ويتوسع ستيل في شرح تعريف العار إذ يقول: إنه لا يقتصر فقط على استعباد الزنوج بل يشمل استعباد البيئة (تلويثها) واستعباد النساء، ويقول الحكم على المجتمع عادة ما يتأتى من الطريقة التي يتعاطى بها والمرأة، فنقول مثلا هذا المجتمع متفتح ومتحرر عندما تكون المرأة فيه منطلقة الفرص متحررة من القيود، ونقول هذا المجتمع منغلق عندما تكون المرأة فيه مقيدة وحبيسة".
في مجتمعاتنا اليوم تشتد المعضلة الحقوقية في كينونات مجتمعية تعيش التناقض والتمييز والتقييد بين الجنسيين في أعلى درجاتها، ينظر البعض في هذا المجتمع الذكوري بعين الريبة لجنس المرأة، كما وصفها أحد الدعاة قبل أيام كونها عارا في ظهر أبيها وعليه التخلص منه، ليس ذلك فقط بل اقرؤوا معي هذا الخبر الذي نشرته أغلب الصحف الإلكترونية قبل البارحة: (قالت عضوتان بالمجلس البلدي في جدة إنهما تلقيتا رسائل تهديد بالقتل وإلحاق الأذى بهما في حال إصرارهما على مطلب "الطاولة الواحدة".
وأضافت عضوتا المجلس الدكتورة لمى السليمان ورشا حفظي، أنهما تلقيتا مكالمات حملت تهديدا بالقتل في حال عدم انصياعهما لمطالب بعض أعضاء المجلس الذين يُطالبون بجلوسهما خلف غرفة زجاجية قاتمة أثناء اجتماعات المجلس، وبينتا أن هذا المطلب قد يكون الغرض منه ثنيهما عن المشاركة في الاجتماعات) انتهى الخبر.
وهنا قفزت ذاكرتي إلى التداعيات التي أعقبت رأي الشيخ الغامدي بشأن جواز كشف الوجه للمرأة وظهوره عبر البرنامج الذي تقدمه الزميلة "بدرية"، في قناة mbc بصحبة زوجته من دون تغطية وجهها وتهديده بالقتل ووصمه هو وأهله بأقبح الأوصاف، الحادثتان هما دليل واضح على أننا نعيش أزمة مع فكر متشدد يقتات على الثقافة الأحادية.
السؤال: ما سبب كل ذلك؟ لماذا يشكل الوجود الفيزيائي للمرأة مشكلة في عالمنا العربي والإسلامي؟ الجواب: إنه وهم أفضلية الرجل على المرأة، وهو وهم ثقافي موروث مستحكم، ما زال يصوغ عقليات كثيرين ويشكل نفسياتهم، ويحدد اتجاهاتهم ومواقفهم تجاه الآخرين، وهم مستحكم لدى القطاع الأكبر من الجماهير ومن النخب الثقافية والدينية والإعلامية، وهذا ما نلمسه ونشاهده من خلال المتحدثين والخطباء عبر المنابر الدينية والإعلامية والفضائيات والمواقع الإلكترونية حين يتناولون قضايا متعلقة بالمرأة أو يفسرون نصوصا قرآنية متصلة بالمرأة. حيث يبرمج الأفراد على الاقتناع بامتياز الرجل ودونية المرأة، وذلك عبر النمط التربوي السائد الذي يقبل التفرقة بين الأخ وأخته في الحقوق والامتيازات، أو عبر النمط التعليمي السائد الذي يكرس وضعا هامشيا لدور المرأة في الحياة العامة، ويغرس في نفوس الطلاب منذ الصغر أن الرجل أكمل عقلا وأحسن تصرفا وأكثر قدرة، في مقابل أن المرأة أكثر انقيادا لعاطفتها، ولا تحسن التصرف في المواقف الحياتية إلا بتوجيه ووصاية من الرجل. أخيرا أقول: لا تتأتى حرية الاختيار إلا إذا تحرر العقل من الخوف والجسد من العار.